هل أضحت قناتنا التلفزية الثّانية قِبْلَةً مُفَضَّلَةً لِسُفُنِ الأفلام الميكسيكية الإباحية ، التّائهة في عُرْضِ الأطلسيٍّ ؟ هل فقد القَيِّمون على قناة ' صفر أخلاق ' بوصلة الحِسِّ الفنّي النبيل و المُلتزم ، فأغرقوا المشاهدين بِخُردةٍ لاتينية سيِّئة السُّمعة ؟ لماذا أُستُبيح كبرياءُ المغاربة ، فأصبحوا مُرْغمين على الولاء التّام لثقافة دخيلة شعارها ' عيشوا الحب على الطريقة المكسيكية ' ؟ ألا يسعى مُستوردو ' أمْصالُ الفِسقِ و المُجون ' بنكهة " الكرايْبي " المُتطرّفة ، إلى جعل المجتمع المغربي مُدْمِنا مُواظبًا بانتظام على حُقنات الإباحية المُطلقة ؟ تبقى إذن تلك أهم التساؤلات المُلِحّة ، التي تدور بخَلَدِ المغاربة الذين إستهجنوا الأفلام اللاّتينية الفِجَّةِ و التي دأب (كازينو) دوزيم على الوفاء لنزواتها الشيطانية. فما أن يُبثّ ' مَسْخٌ مكسيكي ' على شاشة التلفاز ، حتى تُرفع أَكُفُّ الضّراعة إلى العليِّ القدير، أن تمر تلك اللحظات العصيبة بسلام ، ولا يُضطر أفراد العائلة المجُتعمون حول طاولة الأكل، إلى ' تفريق الشّمل' بسبب قُبلةٍ على الهواء مباشرة ،أراد لها " أزلام التّردّي الخُلُقي " أن تصل إلى أقصى مداشر المغرب العميق. لِتأتيَ على ما يبدو على آخر معاقل المحافظة ، فتسْتأصل جذور الحياء المُهدّدِ بالإنقراض من أعرافنا و تقاليدنا المغربية الرّاسخة. من منّا لا يتذكّر أجواء ' حالة الطّوارئ و حضر التّجَوّل ' التي تُخيّمُ على البيت عقب لقطة خليعة لم يقو مِقصُّ الرّقابة على قصّها. قِلّة هم من أدركوا مُبكّرًا خُطورة تلك " السّموم الإجتماعية " على النّاشئة ، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تيّارِ المُيوعة الجارف. فإن إستفسرت أحد الصِّبية عن سرد تفاصيل حلقة أمس ، ستُصاب "بذبحة عقلية " جرّاء دِقّة السّرد الذي يأتي على أدقِّ التفاصيل ، وكأننا أمام دروس " تقوية الذّاكرة " تُعطى على الشّاشة للكبار و الصّغار على حدٍّ سواء. علينا كمغاربة أن نُجيب عن سؤال كبير يَسْتَفِزُّنا إلى درجة المُعاكسة : ماذا ننتظر من قاصرٍ تُرِك وحيدًا وحيدًا كالحَمَلِ الوديع في حضرة ذئاب بشرية بَرِعَتْ في تمثيل مشاهد الخلاعة أمام عينيه ؟ لا يجب إذن أن تصدمنا مُستقبلاً أعداد حالات الإغتصاب و الخيانة ، وما سِواها من تجليّات ظاهرة " الإنجراف الخُلُقي " التي نسمع عنها في أكثر من مناسبة هنا و هناك ، لإننا ببساطة هيّأنا الأرضية البِكْرْ لزاعي بذور التَّسَيُّب والإنحلال ، ليعيثوا فيها فسادًا . إن الإعلام الحقيقي و المسؤول هو ذلك الذي يتوخّى أقصى درجات المِهنية و الحذر في إنتقاءه للمواد المُتَلْفَزة ( أفلام ، برامج ...) لأنها مُوَجّهة بالأساس إلى أكثر من ثلاثين مليونًا من المغاربة . و أي تحايُلٍ أو تقصير من المسؤولين عن القنوات التلفزية ، كفيل بتحويل تلك الملايين في مُجرّد لحظات إلى وحوش ضارية لا تتقَيّدُ بأدنى وازع أخلاقي.