إذا كانت مباراة في كرة القدم برسم قسم الهواة تستطيع إستقطاب الآلاف من المُشجّعين، فإن غالبية أحزابنا المغربية لا تستطيع حشد تلك الأرقام لتجمُّعاتها الخطابية التي يصمها الإرتجال على مُستوى التنظيم، ويخون التشريح الأكاديمي الرّصين للأوضاع العامة ألسنة مُنشّطيها الحكواتيين .فبالكاد تمتلأ الصفوف الأولى لتلك اللقاءات بعُشّاق الطرّابيش والُقمصان التي تُرَوج لأسم الحزب . فلو سُمح لكل شخص حصل على طربوش أو بزّة الحزب بمغادرة التجمُّع الخطابي قبل بدءه ، لوجد ' الزّعيم ' نفسه يخاطب حفنة من المُتحزّبين لن تتجاوز في الغالب مائة شخص. لكن خُبراء الخُدع البصرية فطنوا إلى ضرورة الإستعانة بنظرية ' باڤلوڤ ' السُّلوكية . هذا الواقع الصّادم يجب أن تتقبله تلك الأحزاب و تتساءل في المُقابل عن سبب عُزوف المغاربة عن العمل السياسي ؟ هل قَدّمت تلك ' الكائنات السيّاسية' للمغاربة شيئا يستحقُّ الإهتمام عدا الأمثلة تلو الأخرى للإستهتار بالإنشغالات الحقيقية للمواطن : التشغيل ، التعليم ، الصحة... ، و الغوص في آتون المُلاسنات الرّعناء. ولكل من يرى عكس ذلك أن يتأمّل جلسات البرلمان التي يطغى عليها التطاحن العبثي بسبب تضارب المصالح الشخصية الضيقة ، و النعرات الحزبية الجوفاء. ويبقى تبادل الإتهامات و التّعري أمام ممثلي الأمة وسط مدرّجات البرلمان، أصدق الأمثلة على حالة ' التّسطيح الفكري' الذي تُعاني منه النّخب الحزبية المغربية. داخل هذا المُناخ السيّاسي المُترّدّي حدّ ' الصّعلكة الحزبية' تبقى فُرص التغيير من داخل الأحزاب نفسها بعيدة إن لم نقل مُستحيلة ، بسبب ضمور إرادة التغيير لدى شرائح واسعة من 'مُريدي اللاهوت السيّاسي ' . وحتى لا تتقلّص أعداد المُناضلين الحقيقيين داخل " الكائنات السياسية" إلى مستوى عدد رُكّاب حافلة سياحية يتعيّنُ على سائقي تلك ' الباصات ' المُهترئة الإلمام بتوفير شروط الراحة للمسافرين.