على إحدى الصفحات الاجتماعية الفايسبوكية المهتمة بمناقشة قضايا الشأن المحلي لبلدة "تيغسالين"، وضع أحد الأساتذة "المتعالمين" منشورا مفاده الانتصار للنظرية الداروينية أو نظرية التطور لصاحبها "تشارلز داروين" على حساب نظرية الخلق أو التكوين التي جاءت بها مختلف الديانات التوحيدية وخصوصا منها الإسلام، وقد ذكر هذا "الأستاذ الجليل" (الذي ابتُلي بممارسة أستاذيته حتى في الأنترنيت) أن النظريات العلمية المعاصرة جاءت مطابقة لنتائج النظرية الداروينية من حيث تقارب الجينوم البشري (الخريطة الوراثية) لجينوم القردة (الشامبانزي) بنسبة بلغت % 98، كما أكد "صاحبنا" من جهة أخرى أنه إذا كان الإنسان قد خٌلق من سلالة من طين أو من تراب أو من صلصال (كما ورد في آيات عديدة من القران الكريم)، فإن "السيليكون" العنصر الكيميائي الأساسي الذي يتشكل منه هذا "التراب" – كما يدعي- لا تتعدى نسبته %0,002 في الجسد البشري، "دليلا" إذن على أن هذا الكتاب السماوي لا يعدو أن يكون "خرافة" أو"سخافة" أو"أضغاث أحلام" ! ثم دعا في ذيل هذا المنشور إلى ضرورة تحكيم العقل لنسف الحقيقة الدينية، و مراجعة (أي تبني) الأبحاث العلمية المعتمدة ! ولسنا ندري من أين جاء بهذه المعطيات التي نشرها عبثا دونما تمحيص ولا تدقيق ! لكن لا بأس، فلقد اخترنا الرد على هذه الأطروحة المضللة و غير الناضجة بحس نقدي علمي-أخلاقي لا غبار عليه، معتمدين في ذلك على العقلانية الأخلاقية التي تشكل عنوان طور "ما بعد الحداثة" الذي نعيشه اليوم، مفككين ومصححين ومكملين، ومؤمنين بكون حقيقة الحياة أوالوجود ليست إلا عملة وجهاها هما الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية في آن، وقد آثرنا الإيجاز ما أمكن في حدود ما تسمح لنا به المقالة و قواعدها ( و قد يطول بنا الوقت بحول الله لجعلها دراسة متواضعة في هذا السياق)، وأملنا أن تكون للقارئ مساهمته النقدية في هذا الشأن، حتى نصل جميعا إلى نوع من الاطمئنان الفكري-الفلسفي والاستقرار العلمي-الأخلاقي المبنيين أساسا على الحوار العميق والنقد البناء والفهم الصادق والتفاهم الهادف ... وسنستهل مقالتنا هذه بتحليل مضمون هذا المنشور، سواء في شقه النظري أو في قسمه الديني، ثم سنعمد بعد ذلك إلى مساءلته على ضوء مقتضيات العقلانية وفلسفة العلوم وعلم الأخلاق، لنخلص أخيرا إلى إبراز أهمية ما يمكن أن نسميه جدلية العلم والقيم في التعامل مع شؤون الحياة والوجود، و فيما يلي مزيد بيان: انتظروا التتمة في أجزاء قادمة.