في قلب الأطلس المتوسط تتربع مدينة خنيفرة على عرشها الذي حباها به الله سبحانه وتعالى، والذي كان سيظل مصدر رقيها وازدهارها، لو لم تحبك المؤامرات الخبيثة ضدها في الكواليس، ليتم استنزاف خيراتها على مضض طوال القرن الماضي ومطلع هذه الألفية، والغريب والمثير هو أن عملية الاستنزاف هاته تتم على مرأى ومسمع سكان المدينة الساكنين الذين أسرهم الجهل أو الوعي المزيف أو الخرس إزاء تدهور المدينة وتراجع مواردها الطبيعية. وقد انتفض سكان المدينة في الآونة الأخيرة بسبب مقتل شاب قروي على يد حراس الغابة في ظروف غامضة لم يبث القضاء فيها بعد، ولم تكشف التحقيقات عن خباياها، لكن عندما أمعنت في تأمل الحادث، فسرته بتخميني المتواضع بكونه صراع بين الفقراء ومن هم في تلابيب لوبيات ومافيا تهريب الخشب، فالمرحوم فقير القرية الذي حاول قطع أخشاب تعينه على إعالة أسرته التي تعاني في أفظع ظروف التهميش من خلال تصريحاتهم الجد متواضعة بعد الحادث المشؤوم، أما حراس الغابة فهم شباب في مقتبل العمر ينحدرون من أسر فقيرة أيضا، يحلمون بمستقبل وبأسرة، ويعانون من الوحدة والانقطاع عن العالم في منازلهم الوظيفية النائية، وفي الكواليس تختبئ لوبيات الاتجار بالخشب التي تستحق القتل لكونها تستنزف ثروة المدينة سواء بسرقتها تحت جنح الظلام أو تحت غطاء قانوني يحصلون عليه بمساعدة المسؤولين الفاسدين الذين يبيعون المدينة بالجملة، فيختفي الخشب الذي نصادفه في منازل و فيلات الأثرياء في المدن الكبرى، ويختفي ثمنه الذي يتحول إلى أرصدة وعقارات تخص المسؤولين إياهم، فكيف يعقل أن تكون أجدير مصدراً لأرقى أنواع الخشب في المغرب وسكانها تحت تحت عتبة الفقر والتهميش. ودائما في إطار الاستنزاف الممنهج، حصلت شركة الكرامة على صفقة النقل الحضري للمدينة، فابتهج السكان أيما ابتهاج لكون الشركة عملت على فك العزلة على عديد المناطق بفضل أسطول ضخم لم تشهد المدينة مثيلا له من قبل، لكن رؤية المتبصر تظهر العكس، فالشركة المحترمة رغم حسناتها من فك العزلة والتشغيل المباشر وغير مباشر لعدد مهم من اليد العاملة، فإنها تمتص أكبر قدر من السيولة المالية للمدينة وتحولها إلى مدن ومشاريع لا علم لنا بها، والأكيد هو أنها خارج مدينة خنيفرة. ولأن "الهدرة ما تجيب خضرة" كما يقول عموم المغاربة، فما الحل الأنجع للحفاظ على الموارد الطبيعية والسيولة المالية الخنيفريتين؟ في قضية الموارد الطبيعية (الخشب)، لابد من خلق التوافق بين القبائل المتصارعة فيما بينها، وحماية الثروة الغابوية بالضغط على المسؤولين ومراقبة استغلال الغابة لاستفادة الساكنة القروية من كل شجرة تقطع، فهم أولى بعائداتها التي من شأنها أن تحسن مستوى عيشهم، مما يجنبهم الدخول في صراع مع حراس الغابة، أما السيولة المالية فلا سبيل لحمايتها والاحتفاظ بها إلا بالاستغناء عن ركوب الحافلة قدر المستطاع، أو تعويضها بركوب سيارة الأجرة، فعلى الأقل سائق سيارة الأجرة رب أسرة في المدينة، سيصرف ما يأخذه منك داخل المدينة عند البقال والجزار والخضار الذين يصرفون بدورهم أموالهم أيضا داخل المدينة، مما يتيح رواجا اقتصاديا دائريا يجنب المدينة الأزمات، كالتي حلت بتجار المواد الغذائية الذين عانوا ويعانون من كساد تجاري طارئ، كما أناشد المسؤولين بتفويت القطاعات الخدماتية مستقبلا لأبناء أو هيئات أو جمعيات المدينة، أو فرض بعض المشاريع الإنتاجية على المستثمرين، وكله في سبيل الرقي بوضع المدينة التي استبد بها التهميش.