. لن تعرفوها لكني كلما كتبتها تناثر عليّ من الفضاء غبار النعمة، لذا سأحدثكم فلا تسمعوا. نهضتُ يوماً من الأمس اللئيم، عصبتُ ذاكرتي، عصرتُ عينيّ في الغد وذهبت. في مطرتي كآبتي تنتظر أن أسقيها شفتيّ فتقرصهما. ذهبتُ حيث الضباب ينسج لرغبتي أصابع بلا عقد فأخنق بها مخاوفي. حيث قلبي يمشي على الزجاج فيترك وراءه جداول من الخمر. حيث الحجارة تغرّد فيطرب لنشيدها العصفور وينتحر في الريح بلا انقطاع. ذهبتُ حيث العرس دائماً في أوّله والنهار دائماً في آخره ولا منجل للسنابل الراقصة على جسدي. رحتُ أسير بين الملائكة والشياطين، أقطف الوجع الناضج عن أحلامي ثم أعلّقه على أطرافي. هناك يرجع فجّاً ويخترع لجروحي القديمة الجائعة لذّات جديدة. صرتُ أنا واللانهاية على موعد. صرت ما أسعدني وما أشقاني في آن واحد فما أغناني! أسامر الأشباح. أضنّ بالحكمة وأمنح أمنح جنوني. أصعد من ذاتي ثم أطارح الهبوط مع الجبال. أخون ثم أشنق نفسي فوق صرّة من الوهم لكني لا أندم. لا ألتفتُ الى الوراء كي لا أصير تمثالاً من الملح. سأحدّثكم عن الطريق إذن، امعنوا في التفاهات التي تروّض أيديكم. تابعوا ولا تأبهوا لهذياني. علمتني أن أضيع. أن أضيع كثيراً. أن أضيع كي أكون. عدتُ لا أعبأ بالمصير. أضحك. أقع. لكل زلة دوارها والدوار رجل. واللذة؟ كي أمضغها فتترنّح فيّ. بعد باقة من الخطى قد أشفق على ظلّي فأستلقي على الارض وأدعه ينتصب ويمشي. الظلّ ايضاً رجل، يكبر ويتقلص على هوى شمسي. عناقه مضيق، انقضاضه عليّ منارة واحتضاره فيّ أمواج من الشوق فتلاطم خيبات فزبدٌ من النسيان. في مسيرتي مطبّات ووهاد. كلما صفعتني واحدة فتحتُ ستائري فتأتي سحابة الضوء تسحب المسافة من تحت قدميّ وأعود الى العذرية. الى دعاء ما قبل الرحيل. اقلع أشواك افكاري البالية فينقضي السياج. أفضح توق أذني لرفرفة لسان فتقصّ العاصفة جناحيها وتتظاهر بالنوم على صدري. ثم تتسلل وترتقي. ترتقي حيناً وتنحدر حيناً كعاشق حائر لا يعرف كيف يغرف من الكنز. تنحدر العاصفة وتذوب بين ساقيّ فتغريني أنا المستبدّة بخضوعها وأطويها في أعماقي. هناك تتخذ من عروقي أجنحة لا تنفك تنمو. وتخفق. وتصيح. وأصيح معها! رحتُ أسير أغافل النجوم والتراب، أحدّق في الأفق واهمة. أهدم النور وليس أقوى مني في الظلام. أطوف في شوارع روحي، متاعي الداخلون ومتاعي الخارجون. أقصّ قصتي على من لا يهمه الأمر. أستحم عارية في الغابة فتدوخ الاشجار وتنسى الازهار ان تستحي، فترفع رأسها كي تتلقف بعبيرها حبات النشوة على جسدي. على ضفاف الطريق نهداي كرمة تحلم بالمعصرة. طوبى لمن سيقطف العنب ويصيّره خمرةً، إذ لكل كأس سيشربها كوكبٌ منير يولد في مداره. أجل سأحدثكم عن الطريق طريقي تلك التي لن تجدوا.