أثار المقال الذي نشرته مؤخرا بعنوان "اتحاد المغرب العربي السبيل الوحيد لمواجهة مؤامرة دُويلات الخليج" العديد من ردود الأفعال لدى القراء، فمنهم من استحسنه ومنهم من رأى غير ذلك، ومنهم من تساءل عمّا سمّاه "سكوتي" على النزاع في المنطقة، وسكوتي على غلق الحدود وغير ذلك، وبصراحة استبشرت وارتحت لكل الرّدود سواء المؤيدة أو المعارضة لمواقفي، لأنني ازددت قناعة، بأن مواطني المغرب العربي، لم ينفصلوا يوما عن حلم تحقيق الإتحاد المغاربي، وهذا بحدّ ذاته، يُؤكد أن الشعوب متوحدة في سعيها لإقامة هذا الإتحاد، لكن مشكل الصحراء، بنظر البعض هو الذي عطّل تجسيده، وبصراحة أشاطر هؤلاء وأولئك الرأي، لكنني أختلف معهم في نقطة واحدة أراها أساسية للغاية، وهي أن مشكل الصحراء، لم يجد طريقه إلى الحلّ، لأن أطراف النزاع فيه، فضّلت البحث عن حلول دولية، عوض البحث عن حلول إقليمية تحفظ لكلّ ذي حق حقه، وتعجّل بتحقيق وحدة المغرب العربي، التي ستكون لوحدها كفيلة بإذابة الجليد، بل ومحو الحدود الوهمية التي تركها الإستعمار، لأنني أتحدى أيا كان أن يأتي بدليل يثبت أن الشعب المغربي أو الجزائري أو التونسي أو الليبي أو الموريتاني، ليس مندمجا ومتكاملا مع بعضه البعض، فحتّى الأسماء العائلية، وأسماء القبائل، هي مشتركة بين شعوب المغرب العربي، ومعالم الحدود بين هذه البلدان غير واضحة على الإطلاق، أي أنها شعوب موحّدة، يُميز بينها النظام السياسي السائد في هذا البلد أو ذاك، وهذا برأيي لا يُشكل عائقا أمام تحقيق هذه الوحدة، لأنه يمكن أن نتعايش في إطار اتحاد المغرب العربي بأنظمة سياسية غير موحدة، لكن بالمُقابل نعيش في إطار تلاحم تحكمه المصالح المُشتركة، والإلتزام بالدفاع عن كل عضو في هذا الإتحاد، فبرأيي أن مشكل الصحراء الذي فوّت على بلدان المغرب العربي عقودا من الزّمن، يُراد له من قبل القوى الغربية أن يتواصل ويستمر، لأنه سيشكل أفضل مكبح للتنمية في هذه المنطقة التي تمثل الواجهة الرئيسية لإفريقيا مقابل أوروبا، والتي تتوفر على إمكانيات بشرية وطبيعية، تُؤهل بلدانها لتحقيق التكامل الاقتصادي، ولم لا تحقيق قفزة كبيرة تخرج بلدانها من دائرة التخلف والتبعية للغرب، ولن أكون ملزما هنا بتعداد كل هذه الإمكانيات، فالجميع يعرفها، ولا أظن أن هنالك تجمعا إقليميا آخر، تتوفر لديه كل هذه الإمكانيات، بما في ذلك الإتحاد الأوروبي، ومن هذا المنطلق، نتساءل اليوم، كيف كان سيكون هذا الإتحاد المغاربي لو كُتب له أن يتجسّد منذ يوم تأسيسه بتاريخ 17/02/1989 بمدينة مراكش بالمغرب؟ فهل كنّا سنضطر اليوم، لمتابعة فصول مؤامرة تفكيك وتقسيم ليبيا؟ وهل كنا سنتفاجأ بارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمي؟ وتضطر قوى الأمن إلى قمع الفقراء عندما يتظاهرون من أجل توفير لقمة العيش لهم؟ وهل كنّا سنضطر لإرسال مرضانا للعلاج بالخارج، وهل كنا.. وكنّا... لا أظن إلا أننا، لو تحقّق حلم شعوب المغرب العربي، لن نكون إلا أسيادا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي العالم ككلّ، لأننا كمغاربيين نملك كل المؤهلات الإقتصادية والثقافية والإجتماعية.. وغيرها التي تمكّننا من تبوّء مكانتنا اللائقة، لكن وما دام أن الحلم لم يتحقق، ومؤامرات التقسيم تتربص أكثر من أي وقت مضى بالجزائر والمغرب، فما الذي يمنع قادة هاذين البلدين بالدرجة الأولى، من الإلتقاء، والبحث بجدية في إيجاد حُلول إقليمية لنزاع الصحراء، تحفظ كرامة ومصالح الجميع، وتفتح في الوقت نفسه أبواب الإتحاد الموصدة، لأنني لا أعتقد أن "المجتمع الدولي" سيكون أكثر كفاءة من بلداننا، ويُوجد الحُلول لنا، لأننا نرى كيف يحُلّ هذا المجتمع الدّولي الأزمات في السودان والعراق وأفغانستان وسوريا والصومال ومصر وتونس واليمن وغيرها.... وبما أنّنا في المغرب العربي، وبالأخص في المغرب والجزائر، تركنا مشكلا يصل إلى أعلى درجات التعفّن، الذي بات يُقزّز نفوس كل مواطنينا، فلن نلوم أيّا كان في المستقبل، إن تدخّل هذا "المجتمع الدولي" لحلّه على الشاكلة الليبية، بصدق أقول بأنه ليس من مصلحة أي بلد في المغرب العربي إضاعة مزيد من الوقت، لأن التاريخ سيُسجّل علينا أننا وصلنا إلى قمّة الفشل في حلّ مشاكلنا، وهي مشاكل تجد حلولها بالضرورة في عوامل وحدتنا العرقية والدينية واللغوية والتاريخية، وأنصح الجميع بالتحرك بسرعة، لأن سكين التّقطيع والتمزيق، تكاد تُنهي عملها في العديد من البلدان العربية، ولن يبقى لها سوى الإنتقال إلى منطقتنا التي هيّأنا لها وللأسف كل خطوط تمرير السّكين. وبرأيي أنه ليس بالضرورة أن نُوجد الحل الجذري لكل المشاكل في وقت واحد، لكن يتوجّب علينا إيجاد ميكانيزمات للتحرك باتجاه إيجاد هذه الحلول، وأولها برأيي فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وتنظيم لقاءات على المستوى الرسمي والشعبي لإذابة الجليد، وإشراك جيراننا في كل ذلك، لأنه في حال العكس، فانتظروا مرور السّكين لتقطع أوصالنا جميعا. *كاتب جزائري