الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، يفاوض ثوار بلاده، عبر وساطة خليجية، على شروط استسلامه ورحيله...كل ما يريده الرئيس الحالي، وقبل أن يحصل على لقب "الرئيس المخلوع" هو أن يطمئن على سلامته شخصاً وسلامة نجله ووريثه المفترض الكولونيل أحمد، فضلاً عن بقية أبنائه وبناته وزوجاته وأقربائه وأنسبائه...هو يريد الاطمئنان بأنه سيخرج "حطام هذه الدنيا" ببضعة مليارات من الدورلات المسروقة على أقل تقدير...إن حصل على ما يريد، يكون قد أمّن على "عصب النظام وعموده الفقري"، فاليمن تحكمها عائلة الرئيس وأصهاره وأنسبائه. لا شك أن العقيد الذي ما زال "يتفلّت" و"يتنطط"، ولا يتورع عن التلويح بسُبابته ووسطاه، يرقب بقلق بالغ ما آل إليه، نظيره المصري و"سلالته الحاكمة"...لا شك أنه يقرأ بتمعن "يوميات رئيس مخلوع" ويجهد في معرفة الفرق بين نوبة قلبية حقيقة وأخرى سياسية مفتعلة لتجنب "الكلبشات" و"البوكس" والترحيل...ويتتبع بعناية فائقة، كل ما يصدر عن "سجن طرة" من يوميات لقادة النظام البائد...وبالمناسبة، حتى القصر الجمهوري لم يضم يوماً هذا العدد من كبار المسؤولين، دفعة واحدة، وتحت سقف واحد، سبحان من جمع شمل الأحبّة بعد أن ظنوا بأن لا تلاقيا ؟!. قد لا يجد اليمنيون من بديل غير تجرّع هذه الصفقة واستيعابها...قد يضطرون حقناً للدماء واختزالاً للألم والمعاناة أن يقبلوا بهرب الرئيس والحلقة الضيقة من حوله إلى "مثواهم الأخير" في هذه العاصمة الخليجية أو تلك...ولن يلومنّهم أحدٌ على ذلك إن هم فعلوا، فدماء اليمنيين واليمنييات، أغلى بكثير من "حيوات" صالح وصحبه وأموالهم المهربة...لكننا مع ذلك، نعلن مسبقاً، حزننا الشديد لإفلات القتلة والجناة من مواجهة القصاص العادل...نعلن أسفنا الأعمق، لأن مبارك سيظل "حالة عربية خاصة"، كأول زعيم يودع السجن، ويحاكم من قبل شعبه، بتهم الفساد والإفساد والقتل العمد مع سبق الترصد والإصرار. ما يفعله صالح اليمن، يفعل شيئاً مثله قذافي ليبيا...فوفقاً للمصادر الأمريكية، فإن واشنطن بدأت رحلة البحث في القارة السوداء عن ملاذ آمن للعقيد وأنجاله وزوجاته ومرافقاته ومن تبقى من صحبه غير الكرام...شروط هذا الملاذ، أن لا تكون حكومته قد وقعت برتوكول روما ومواثيق "الجنايات الدولية" فالرجل مطارد ومطلوب في قضايا قديمة وحديثة، من ملف لوكربي الذي يُعاد نبشه من جديد، إلى ملف الجرائم ضد الانسانية، والآن جرائم الحرب التي قارفها العقيد وأنجاله وكتائبه ضد شعب ليبيا الأعزل. نبارك للشعب الليبي خلاصه من جنراله المعتوه، وسنحتفي معه بلحظة الهرب والرحيل المنتظرة، ونأسف أشد الأسف لأن مجنون ليبيا قد لا يخضع لمحاكمة شعبية عادلة...نحن الذين كرهنا كل شيئ "شعبي" في ليبيا، من اللجان "الشعبية" إلى المؤتمرات "الشعبية"، كم تمنينا أن تتشكل "محكمة شعبية" للأطاحة برأس العقيد وزبانيته، وبعدها لا نريد مزيداً من "الشعبيّات" في ليبيا، نريد كل شيء "رسمي" و"نظامي"، كسائر خلق الله، إن جاز التعبير. جميع الثورات في العالم العربي، مباركة وتثلج الصدور، من أول واقعة البوعزيزي إلى آخر تظاهرة في درعا...لكن الثورة المصرية، وحدها من بينها جميعاً، أشبعت نهمنا وروت ظمأنا إلى ممارسة "طقوس الشماتة والتشفي"...ولطالما تمنينا أن تنتهي الثورات الأخرى إلى نتائج مماثلة...لطالما تمنينا أن نرى كثير من الزعماء وأنجالهم – المدللين – وزوجاتهم الباذخات وأنسباؤهم وأصهارهم الفاسدين، تحت سقف واحد، يرتدون ثياب السجن المخططة وقبّاعاته المخيطة من القماشة ذاتها...ولا بأس من ارتدائهم "الأفرهولات" ذات اللون الأحمر القاني، الذي يفضله "عشماوي" بالعادة، ولا يسمح بارتدائه سوى "فضيلة المفتي"...لطالما تمنينا أن ينجح أشقاؤنا "التوانسة" في استعادة بن علي من جدة وليلى الطرابلسية (مع الاعتذار من ليلى العامرية)، من منفاها الأكثر تخففاً من قيود السلفية الوهابية، ليمثلا إلى جانب العشرات من رموز النظام القديم، أمام المحقق والنيابة والقاضي، وليرتدوا جميعاً، "الزي الموحّد" المعتمد في السجون التونسية. وأختم بتعليق ظريف روته زميلة لي نقلا عن قارئ مصري ظريف: كل شعوب العالم لديها رؤساء سابقين إلا نحن في العالم العربي، لدينا رؤساء "سوابق".