استمتع العالم كله بصوت بطل أبطال النينجا, ومكتشف غازات الفلسفة الخضراء, وهو يطل بعمامته من زاوية من زوايا قصره المهجور, ليرفع صوته بالزعيق والنقيق, ويبدأ خطابه المتشنج بكلمات مقتبسة من قاموس الذئاب الهائجة, كلمات حفظها الأطفال, ورددها الباعة في الأسواق وعلى الأرصفة في عموم أقطار الأرض, وذاع صيتها عبر مكبرات الصوت في المدن الترفيهية والملاهي الليلية, بعد أن تحولت إلى أغنية بصوت القذافي نفسه, صنعها الظرفاء الذين استعانوا بتقنيات (التكنو ميوزك), وأعادوا توزيعها موسيقيا على طريقة أغاني (الهيب هوب), ثم نشروها في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي, (الفيس بوك, واليوتيوب, والبلاك بيري), أغنية مثيرة للسخرية تقول كلماتها: (زنقة زنقة, شبر شبر, بيت بيت, دار دار, قطعة قطعة. . . إلى الأمام, إلى الأمام, قاتلوهم قاتلوهم, قاتلوا الجرذان, قاتلوا الجرذان), وصارت (الزنقة) من أشهر نغمات الهواتف النقالة, وتحولت على الفور إلى مفردة من مفردات النكات اليومية المتداولة بين الناس في المقاهي وأماكن العمل, فالزنقة من دون أن يدري القذافي تعني (الورطة الخانقة), وهي كلمة عربية فصحى مشتقة من الجذر (الزِنّاق), وهو ما يلي الحنك من الرقبة, إذا قبض باليد كاد الإنسان أن يختنق, وقالت الإعراب: (زنقهُ فلان زنقة قاتلة, أي قبض عليه من بلعومه وكاد أن يقتله), ويقولون في هذا السياق: (فلان تجرع الموت غصة بعد غصة), والغصة هي (الشرقة), أو التوقف المؤلم في عملية التنفس, والمعنى العام للزنقة والغصة مرتبط بالضيق والتضييق على المجاري التنفسية, وربما كان تخوف الناس من السير في الأزقة الضيقة والسكك المزدحمة هو الذي دفعهم إلى استعارة كلمة (زنقة), وتوظيفها في التعبير عن الدروب المخنوقة المزدحمة, ومن أشهر أسواق الإسكندرية بمصر (زنقة الستات) المعروفة ببيع المستلزمات النسائية, والتي اكتسبت اسمها من ضيق شوارعها وازدحامها الشديد. اما زنقة القذافي فما بعدها زنقة, فهي من اشد الزنقات والأزمات الخانقة, التي يمر بها اليوم النظام الليبي المزنوق, في خضم تلاطم التيارات الثورية العنيفة الجارفة. وربما كان القذافي صائبا عندما أفصح عن زنقته وورطته, ما اضطره إلى الإعلان عن خططه الإستراتيجية لخوض حرب الشوارع, ومطاردة أبناء الشعب الليبي الثائر, وملاحقتهم من دار إلى دار, ومن زقاق إلى زقاق, ومن حارة إلى حارة, ومن زنقة إلى زنقة, معتمدا على أسلوبه التعبوي المقتبس من مناهج المستنقعات الخضراء, التي انطلق منها في التنفيس عن شطحاته المجنونة على مدى نصف قرن, فجاءت معارك (الزنقة زنقة) لترسم معالم الخاتمة الكوميدية لحياة هذا الزعيم المعتوه, الذي حكم الشعب الليبي بالحديد والنار, ولتعطي للعالم تصورا واضحا للخطط التعبوية الزنقوية والزنكلونية, التي سينفذها العقيد المختل عقليا في الفضاءات الليبية المفتوحة: - الإصرار على إنكار المظاهرات الثورية الليبية العارمة. - الإصرار على التقليل من شأن المتظاهرين, والاستخفاف بهم وتسفيه مطالبهم العادلة. - تسميتهم بالجرذان والفئران والخارجين والمارقين. - تجنيد المرتزقة والمجرمين ونشرهم في المدن لإطلاق النار على المتظاهرين في حملات برية وجوية مسعورة لقتل الناس وترويعهم. - الاستعانة بالطيران الحربي في قصف المعسكرات الواقعة في قبضة الثوار. - إعدام عناصر الوحدات العسكرية المتضامنة مع الثوار. - جمع الناس في طرابلس, وإجبارهم بالقوة للخروج في مظاهرات مؤيدة لنظامه المتخلف. - حجب الحقائق عن الشعب الليبي, عن طريق التشويش على البث التلفزيوني للفضائيات العربية. - تعطيل شبكات الهواتف النقالة. - نعطيل شبكة الانترنت. - التهديد بإشعال فتيل الفتنة بين القبائل الليبية. - فتح مخازن العتاد وتسليح عامة الناس لإثارة الفوضى وإراقة المزيد من الدماء على الأرض الليبية. - غلق المستشفيات العامة, وتعطيل مراكز الرعاية الطبية. - قطع التيار الكهربائية, وإيقاف تقديم الخدمات العامة, وشل الحياة المعيشية. - تهديد أوربا بحرق آبار النفط وتدميرها تدميرا كاملا. - تهديد أوربا بتحول ليبيا إلى ملاذ متقدم لفلول القاعدة وجيوبها الإرهابية. - تهديد أوربا بتدفق موجات التسلل البشري من أفريقيا إلى دول الأبيض المتوسط, والشروع بإرسال دفعات من المتسللين باتجاه السواحل الايطالية. - اللجوء للتلميح في خطاباته, والإفصاح عن استعداده التام لخدمة المصالح الأوربية والأمريكية في القارة الأفريقية. - تهديد العالم كله باللجوء إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة, والتلويح باستخدام الأسلحة الكيماوية لضرب المدن والضواحي الليبية.