ظلت الشعوب عبر التاريخ تنتصر على الاستبداد و على القهر و على الاستعباد .فمن الثورة على العبودية ضد الإمبراطورية الرومانية سنة 73 قبل الميلاد ، و ثورة الزنج في عهد العباسيين ، إلى ثورة الشعب البريطاني ضد الاستغلال و الحكم الفردي (1642 1689 ) ،انتهت بإعدام الملك شارل إلى الثورة الفرنسية في 1789 و التي توجت بإعدام الويس 16 وبناء نظام المؤسسات ، إلى الثورة البولشفية سنة 1917 من القرن الماضي و التي قادها البلاشفة تحت إمرة فلاديمير لينين وليون ترو تسكي بناء على أفكار كارل ماركس؛ لإقامة دولة شيوعية وإسقاط نظام مبني على الإقطاع و الاستبداد و الديكتاتورية .إل ى ثورات التحرير من أجل الحرية و الاستقلال.كلها كانت ثورات مظفرة انتصرت فيها إرادة الشعوب على البطش والاستبداد و الحكم المطلق و التحكم، ولقي المستبدون الطغاة مصيرهم. تلك انتصارات أصبحت ملكا لشعوب العالم و عناوين تاريخها ،فهي تستفيد من بعضها بعض و تتضامن مع بعضها البعض و تتناقل التجارب و لا تهاب الحواجز التي تضعها الأنظمة حتى لا يتم التواصل بينها.فانتفاضة الشعب التونسي تأتي كحلقة في سلسلة الانتصارات التي حققتها شعوب كانت تعيش تحت نيل الطغيان في كل من أمريكا اللاتينية و في إفريقيا و في آسيا. وما فرار الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من بلاده اثر الانتفاضة الشعبية التي حاول نظامه قمعها بالحديد والنار ليست سابقة من نوعها، فالتاريخ حافل بسوابق عديدة. ولكن الشعوب لا تنسى و لا تغتر، وتظل تراكم وتحتوي الضربات و تتحد لتنتفض دون سابق إعلان، و دون إذن من أحد ، فالشعب التونسي لم ينس كفاحه ضد الاستعمار ولم ينس دوره في تحرير الشعوب ولم يتأثر بالمقاربات البوليسية التي سادت تونس منذ 1987 ، كما لم يستسلم لخدعة النظام و مناوراته و لا لمغازلة الرأسمالية المتوحشة التي لا تعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.لكن النظام التونسي نسي التاريخ كأشقائه في الأنظمة العربية الذين يقبلون أقدام الصهيونية و الإمبريالية طلبا الرضا و الحماية من شعوبها، ويضعون أقدام الوطن من خلال أبنائها على الجمر و النار.فمصيرهم هو مصير بنعلي كمصير الذين سبقوهم. فشاه إيران فر تائها إثر انتفاضة الشعب الإيراني في 16 كانون الثاني/يناير1979. وفي غشت 2003 يفر الرئيس الليبيري تشارلز تايلور، و المتهم بإغراق جزء من افريقيا الغربية في نزاعات دموية فظيعة . و ذلك على إثر حركات التمرد التي ساندتها الأممالمتحدة و الأنظمة الديمقراطية في إفريقيا و أرويا. مما جعل حدا لحرب أهلية دامت 14 عاما و حصدت 270 ألف قتيل. وفي أكتوبر من سنة 2003 سيفر الرئيس البوليفي غونزاليس سانشيز دو لوزادا تحت جنح الليل على متن مروحية متجها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية هربا من حركة احتجاج شعبية قوية ضد مشروع غازي وضد سياسته الليبرالية المتوحشة . و لا يزال مطلوبا في بوليفيا بتهم قمع تظاهرات عرفت 65 قتيلا وأكثر من 500 جريح. و في 24 مارس 2005 ينهار نظام الرئيس عسكر اكاييف الحاكم منذ 15 عاما في غضون بضع ساعات لا غير تحت وطأة آلاف المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على نتائج الانتخابات وفساد السلطة. الرئيس يفر من البلاد وروسيا تمنحه حق اللجوء، ويتولى السلطة بالوكالة احد قادة هذه الثورة الخاطفة كرمان بك باكييف. وسيسقط نظام هذا الأخير لما زاغ عن مشروع الثورة. وتقوم المعارضة بتشكيل حكومة برئاسة روزا اوتونباييفا في أبريل 2010 . لم تكن نهاية الدكتاتور سيسيكو موبوتو، الذي سرق ثورة التحرير الشعبية للكنغوليين بزعامة باتريس لومبا سنة 1965 ، تختلف عن نهاية الطغاة عبر العالم ،لقد فر هو الآخر في اتجاه المغرب في 1996 ، لما اشتعلت نيران المقاومة وغضب الانتفاضات الشعبية في أنحاء الزايير آنذاك . ومن قبله الطاغية عايدي أمين رئيس أغاندا المخلوع الذي فر هو الآخر نحو السعودية سنة 1979 . إنها أمثلة نسوقها للتأكيد بأن الشعوب تعيش و تستمر شامخة و حرة و الأنظمة تسقط تحت أقدامها. وإن من يحتقر الشعوب من الأنظمة أو من الأحزاب السياسية إنما يلعب بالنار.