ظل مستشفى ابن النفيس للأمراض النفسية والعقلية الواقع بحي الداوديات بمراكش، مرتبطا في أذهان المراكشيين بمستشفى المجانين أو "مرشيش"، خصوصا بعد افتتاحه الرسمي مع بداية الثمانينات وتوقيف علاج المصابين بمستشفى أكدال بالمدينة العتيقة، بعدما كان مختصا في علاج الأمراض والإختلالات النفسية والعقلية وتحويله إلى مستوصف للطب العام. إن أول مايتير انتباه الزائر لمستشفى ابن النفيس، البوابة الكبيرة والممر الطويل المحفوف بالأشجار والنخيل يقودك إلى مكان تخفيه أسوار المستشفى مخصص لإيواء النزلاء، وبالقرب من غرف المرضى يصادف الزائر رؤوس مطلة من نوافذ صغيرة وأيادي ممدودة تطلب نقودا أو سجائر من الزوار خصوصا من أقارب وأولياء المرضى الذين اعتادوا التردد على المستشفى لجلب المؤونة لذويهم من المرضى الغارقين في عالم آخر بين ابتسامة مستهزئة ونظرات شاردة وملامح غارقة في صمت التشويش. ويستقبل مستشفى ابن النفيس المعروف ب"مرشيش" جميع المرضى الذين يعانون اضطرابات عقلية ونفسية من منطقة جغرافية تشمل مدن وأقاليم الجنوب،خصوصا من مراكش وإقليم الحوز وأزيلال وشيشاوة وقلعة السراغنة والصويرة وأسفي وورززات وزاكورة وتارودانت وأكادير وبعض الأقاليم الصحراوية، بالإضافة إلى المرضى المودعين بمقتضى قررات قضائية من طرف محاكم هذه المناطق،إذ بعد أن يتبين لهيئة المحكمة بأن الحالة الصحية والعقلية للمتهم تستدعيان إحالته على طبيب مختص من أجل التأكد من قدرته العقلية ، تقرر إيداعه بالمركز الإستشفائي للأمراض النفسية والعقلية بمستشفى ابن النفيس بمراكش،للتأكد من مسؤوليته الجنائية اتجاه الأفعال التي اقترفها، والتقرير في مدى صحته العقلية ، ومن بين المرضى المودعين متهمون بجرائم القتل والسرقة والإغتصاب والعنف ضد الأصول كقتل الوالدين أو إضرام النار. ويتوفر المستشفى الذي تحول إلى مؤسسة جامعية تابعة للمركز الإستشفائي محمد السادس على 185 سرير 50 منها مخصصة للنساء والباقي للرجال، ويأوي حوالي 40 نزيل بمقتضى قرار من المحكمة، إذ أن المدة الدنيا التي يقضونها بالمستشفى لتلقي العلاجات تمتد إلى ستة أشهر على الأقل ، ومنهم من تمتد إقامته لأزيد من سنتين أو ثلاث سنوات حتى يتأكد من شفائه، ولايخرجون من المستشفى إلا بقرار من الوكيل العام للملك أو بناءا على تقرير لجنة مختصة مختلطة من وزارة الصحة تضم أطباء نفسايين ورجال القضاء. وسبق للمحكمة الإبتدائية بمراكش أن قضت بإعفاء طالب جامعي كان يتابع دراسته بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في شعبة الفلسفة وعلم الإجتماع وعلم النفس من مسؤوليته الجنائية،بعد متابعته من طرف وكيل الملك في حالة اعتقال بتهمة هتك عرض قاصر بحمام شعبي بمراكش،وقررت هيئة الحكم إيداعه بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية ابن النفيس ،عندما تبث للهيئة من خلال الشواهد الطبية المدلى بها في ملف النازلة بان المتهم المتحدر من مدينة زاكورة مريض عقليا وكان يتلقى علاجه بنفس المستشفى. ويتحدث الشارع المراكشي عن عشرات الأمثلة ل"مجانين" ومرضى عقليا يفرضون قوانينهم الخاصة في شوارع مراكش التي أصبحت مرتعا لعدد كبير منهم يفعلون فيها مالا يستطيعون فعله في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية الذي ضاق ذرعا بنزلائه فقرر تسريح عدد كبير منهم، خاصة وان نسبة الملئ خلال السنوات الأخيرة بلغت ما بين 90 في المائة و100 في المائة لأن عدد المرضى في ارتفاع مستمر. وذكرت بشرى طالبة تدرس بجامعة القاضي عياض أتناء حديثها مع زميلاتها في الدراسة عن المصابين بالأمراض العقلية" أن مريضا عقليا اقترب منها عندما كانت متوجهة إلى الكلية ، وامسك بها بقوة قبل أن يطبع على خدها قبلة تم ينصرف وكأن شيئا لم يحدث"، واعتبرت ما جرى لها من طرف الشخص المذكور أهون من أن يعترض سبيلها قاطع طريق ويسلب منها حقيبتها اليدوية وهاتفها النقال ويعتدي عليها بالة حادة أو سلاح أبيض ويشوه وجهها. وحسب مصدر طبي مسؤول، فإن أغلب نزلاء المستشفى من الرجال ويرجع ذلك لأسباب ثقافية واجتماعية ، إذ أن الأسر المغربية تتحفظ أكثر فيما يخص نسائها، وتفضل أن يخضعن للعلاج دون إيداعهم في المستشفى ، كما أن الخصوصية الفريولوجية تجعل ردود أفعالهم أقوى واخطر مما يفرض على الأسر إخضاعهم للعلاج. ويضيف نفس المصدر في تصريح ل"كش24″، أن عدد الحالات الوافدة على المستشفى في ارتفاع مستمر لدى الفئة العمرية المتراوحة بين 18 و30 سنة ، تتعلق بإختلالات نفسية وأمراض عقلية تتطلب خدماته الإستشفائية من طرف طاقم طبي يتكون من ثلاث أطباء متخصصين وأستاذين مساعدين وأستاذ مبرز ومعالجة نفسية بالإضافة إلى 60 ممرض. وشهد مستشفى ابن النفيس قبل إعادة ترميمه وتحويله إلى مؤسسة جامعية، الكثير من الأحداث التي استأثرت باهتمام الرأي العام المحلي بمراكش، والمتمثلة أساسا في الإغتصابات والإنتحارات والفرار، في الوقت الذي كشفت فيه بعض المصادر عن تواجد مجموعة من المرضى عقليا ونفسيا رهن الإعتقال بسجن بولمهارز أمام الإكتظاظ وعدم قدرة الطاقة الإستيعابية للمستشفى على استقبال تدفق المرضى من مختلف المناطق جنوب المغرب، مما أدى إلى وقوع حوادث غير عادية داخل المؤسسة السجنية المذكورة ، كالحادث الذي أقدم عليه أحد السجناء المريض عقليا عندما قام ببتر جهازه التناسلي بواسطة آلة حادة لعلبة السردين . وأشار احد الممرضين إلى الظروف الصعبة التي يشتغلون فيها أمام قلة الموارد البشرية وغياب قسم المداومة في المستشفى، مضيفا بان قسم المستعجلات تتوافد عليه كل يوم مابين 8 و 10 حالات في اليوم، إذ عادة مايجري عزل الحالات الخطيرة لمدة معينة تحت الحراسة حتى تسترجع توازنها لتنقل بعد دلك إلى الأقسام الأخرى.