كل من شاهد أفلام المخرج السينمائي داود أولاد السيد يستشعر تلك الحميمية التي تربط بينه وبين الفن الفوتوغرافي، ذلك الفن الذي انعكس بشكل دقيق سواء بقصد أو بدونه على السمات الرئيسية المكونة لأفلامه لا من حيث طريقة التصوير ولا من حيث الزوايا والديكور والأضواء… فيصبح الفيلم عبارة عن صورة فوتوغرافية متكاملة توثق للتيمة المستحضرة داخله، وتنقلها إلى عين المشاهد بواقعيتها، هو إذا تزاوج جميل بين فنين راقيين، الفن الفوتوغرافي والفن السينمائي. هذا التزاوج لم ينبثق من فراغ بل هو نتاج مسار كامل ومتكامل من التجربة الفوتوغرافية لدى داود أولاد السيد، خصوصا إذا عرفنا أنه تعرف على الفن الفوتوغرافي قبل أن يتعرف على الفن السينمائي، وهي ميزة إضافية حكمت جماليات لغته السينمائية ووضبتها.
أعمال داود أولاد السيد السينمائية تهتم بإبراز الخيوط الداخلية التي تتحكم بالهوامش،تمتص مشاكلها ثم تنقلها لنا بشكل يغلب عليه الأسلوب التوثيقي حتى يسهل علينا التغلغل داخل قضاياها ومناقشتها بسهولة، إلا أن ذلك لم يدهشنا، لأننا أمام مخرج بدأ مسيرته السينمائية بأفلام وثائقية، كفيلم "الواد" أوفيلم "ذاكرة مغرة ".
ولد داود أولاد السيد سنة 1953 بمدينة مراكش، ترعرع بين أحضان أحيائها الشعبية، وربما هذا ما دفع به إلى تدوين هذه الصورة الشعبية المتجذرة في ذاكرته بألوانها القاتمة في أعماله، هذا الارتباط الوجداني بهذه الأحياء وأناسها وثقافتها شكل لديه رؤى مبنية على أسس ونظم دفعت به إلى معالجة أعماله الدرامية بأدوات ترصد الهموم الإنسانية بشكلها الشمولي واستحضارها أمام المشاهد، كتيمة الهجرة في فيلم "طرفاية" مثلا أو فئة الكومبارس المهمشة في فيلم " في انتظار بازوليني".
تكوين أولاد السيد بعيد كل البعد عن الفن بصفة عامة، إذ درس الرياضيات والفيزياء بالمغرب ثم تابع بعد ذلك دراسته العليا بفرنسا حيث حصل على شهادة الدكتوراه، ليعود مجددا إلى المغرب كأستاذ جامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط.
في بداية مساره الفني اتجه داود أولاد السيد إلى التصوير الفوتوغرافي، فأقام عدة معارض، إلى أن التقى بالمخرج أحمد البوعناني الذي وجهه إلى الصورة السينمائية، وحتى تكون هناك قاعدة ولبنة متينة لهذه المرحلة اتجه داود أولاد السيد إلى التكوين العملي، فالتحق بورشة سينمائية كان يؤطرها جان كلود كاريي بباريس، ليثمر هذا التكوين عن فيلمين قصيرين "كاريكاتور" و"باريس،13 يوليوز" سنة 1989.
بعدها توالت أعماله السينمائية لتتربع على قائمتها الأفلام القصيرة بخمسة أعمال، فبالإضافة إلى الفيلمين القصيرين السابقين نجد كذلك (ذاكرة مغرة 1991، بين الغياب والنسيان1993، الواد 1995) تليها الأفلام الطويلة (بايباي السويرتي 1998 وهو أول فيلم طويل له، عود الريح 2001، طرفاية2004 ، في انتظار بازوليني2007، الجامع 2010) كما أخرج للتليفزيون المغربي عدة أفلام تليفزيونية نذكر منها المكروم وطريق مراكش.
إن هذه الأعمال تعد بحق تجربة فنية ملازمة للثنائية الإبداعية لداود أولاد السيد حيث تتقاطع الصورة الفوتوغرافية مع الصورة السينمائية في محور مركزي حدد معالم أسلوب جديد نوعا ما ميز أفلام داود أولاد السيد عن غيرها من الأفلام، إلا أن الاعتماد على نفس الوجوه والطاقم التقني والفني في أفلامه الطويلة (كأحمد البوعناني، يوسف فاضل،الفرنسي Thierry Lebigre، محمد البسطاوي، محمد مجد وغيرهم) فرض بصمات متكررة هيمنت بقوة على بعض أعماله، أبعدتها نوعا ما عن الدينامية المتجددة والتغيير السينمائي المطلوب، فتحولت بذلك بعض الأفلام إلى إطار مكرر رغم أسلوبها الفني المميز.