ويشكل الشهر الفضيل بالنسبة لمسلمي روسيا حدثا دينيا وثقافيا واجتماعيا متميزا في بلد يعيش فيه المسلمون تحت تأثير الاختلاف في العادات والتقاليد ما بين المجتمع الإسلامي في روسيا وبين باقي أفراد المجتمع الذي يدين غالبيتهم بالمسيحية الأرثوذكسية. وعلى الرغم من ذلك، فإن أكثر من عشرين مليون مسلم في روسيا يستقبلون الشهر الكريم في أجواء روحانية تبرز تمسك هذه الفئة من الشعب الروسي بدينهم ، حيث ينتهزون فرصة الشهر الأبرك لتثبيت دعائم ثقافتهم في نفوس أفراد المجتمع الإسلامي الروسي. ويعتبر شهر رمضان بالنسبة لمسلمي هذا البلد أفضل شهور السنة ، وهم لا يختلفون في ذلك عن غيرهم من المسلمين، فهم يجدون في الإمساك عن الطعام والشراب صحة للبدن وطهارة للروح ، فضلا عن كونه فرصة لتحقيق التقوى وتهذيب الأخلاق والقيام بأعمال الخير. واستقبل المسلمون في جميع أنحاء روسيا، من الشرق الأقصى وحتى سواحل البلطيق، ومن المحيط المتجمد الشمالي وحتى سواحل البحر الأسود، الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك ، بفرح وسعادة ، وذلك من خلال إقامة الشعائر الدينية وقراءة القرآن الكريم في المساجد والزيارات المتبادلة بين الأسر المسلمة، وتنظيم موائد الإفطار التي تقدم فيها الأطباق التقليدية لشعوب روسيا متعددة القوميات . وتضم روسيا أقاليم يدين السكان فيها تقليديا بالإسلام، على رأسها جمهوريات شمال القوقاز كإنغوشيتيا والشيشان وداغستان وكابردينا بلكاريا وكاراتشايفا وتشيركيسا، إضافة إلى جمهوريتي باشكرستان وتتارستان وعدة أقاليم يشكل فيها المسلمون نسبة كبيرة. وتتلخص الشعائر الرمضانية عند المسلمين في روسيا في الاجتماع حول موائد الإفطار والذهاب إلى أداء صلاة الجماعة، حيث تقوم المساجد الرئيسية بختم القرآن الكريم طوال الشهر ، الأمر الذي يجعل من رمضان عيدا يمتد على مدار ثلاثين يوما. ومن العادات أيضا أنه أثناء موائد الإفطار ، تتم دعوة من يتقن قراءة القرآن ويفقه في الدين ليقوم بقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم ويلقي درسا أو موعظة مما يترك أثرا طيبا في نفوس المدعوين. كما تقام موائد الإفطار الجماعي التي تنظمها الجمعيات الخيرية. وبالعاصمة الروسية (موسكو) ، فإن ساعات الإمساك تمتد من الساعة الواحدة و 50 دقيقة صباحا إلى غاية التاسعة و 20 دقيقة مساء أي ما يناهز 19 ساعة من الصيام. ونظرا لتغير المناطق المناخية في روسيا المترامية الأطراف، فإن مسلمي روسيا يؤدون فريضة الصلاة في أوقات متباينة، علما أن الوضع لا يختلف في البلدان الشمالية الأخرى أيضا ، لكن المسلمين في المناطق القطبية بروسيا يجدون دوما مشكلة في تحديد أوقات الصلاة والالتزام بموعد الإفطار لعدم طلوع الشمس في مناطقهم خلال عدة شهور. ويتبادل المسلمون في روسيا خلال الشهر الفضيل الزيارات في بيوتهم حيث تقام موائد الإفطار التي تقدم فيها الأطباق التقليدية لشعوب روسيا متعددة القوميات، علما أن التزام المسلم بتناول الطعام (الحلال) أصبح شائعا في روسيا في العقدين الأخيرين ، حيث أنشئت شركات خاصة وافتتحت محلات تجارية تحمل علامة " حلال". ويقوم المحسنون بالعاصمة الروسية بمعية الهيئات الدينية والمنظمات الإسلامية بتنظيم موائد الإفطار في المساجد، في هذا الشهر الفضيل . كما تنظم مسابقات في حفظ القرآن الكريم، حيث يحتفل مسلمو روسيا الذي يكتسي شهر رمضان الأبرك في نفوسهم مكانة خاصة ومتميزة ، بالأطفال الذين يتمكنون من حفظ وتلاوة الذكر الحكيم. وتنظم بموسكو سنويا خيمة رمضان بجوار مسجد "باكلونايا غارا"، حيث أصبحت تقليدا يشارك في فعالياته جميع ممثلي الطوائف الدينية في روسيا، وأعضاء السلك الدبلوماسي للدول العربية والإسلامية، ورجال الأعمال. وتحتضن خيمة رمضان الموسكوفية ،التي يمكن لأي شخص بغض النظر عن جنسيته أو عقيدته الاستفادة بالمجان من خدماتها الرمضانية والتي يتولى تنظيمها مجلس المفتين في روسيا، تظاهرات ثقافية وفنية بما فيها وجبات الإفطار والبرامج الموسيقية ،حيث يشارك في برنامج الخيمة 15 إقليما روسيا، من بينها جمهوريتا تتارستان وداغستان وغيرها من الأقاليم الروسية. وتفتح أبواب الخيمة، التي يساهم في تنظيمها أيضا رجال الدين ورؤساء الطوائف الدينية الأخرى والسلطات المحلية بموسكو،في اليوم الأول من شهر رمضان الكريم وتستقبل حوالي ألف شخص يوميا.