تشهد موريتانيا، خلال الأسابيع الأخيرة، موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد، حصدت خلالها الجائحة المزيد من الأرواح، وتسببت في تضاعف الحالات الحرجة، وتصاعد مثير للقلق في أعداد الإصابات الجديدة، مما دفع السلطات إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى والرفع من درجة التأهب، عبر تشديد الإجراءات الاحترازية للتصدي لهذه الموجة. واستنادا لإحصائيات وزارة الصحة الموريتانية، فقد تضاعف عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا سبع مرات خلال شهر نونبر الماضي، الذي شهد وفاة 14 شخصا، بالمقارنة مع شهر أكتوبر، الذي سجل حالتي وفاة فقط. كما أن عدد الحالات الحرجة تضاعف، هو الآخر، ثلاث مرات، في غضون خمسة أيام فقط، ما بين نهاية شهر نونبر الماضي (9 حالات) ، والخامس من دجنبر الجاري (30 حالة) ، تستدعي إبقاءها داخل وحدات العناية المركزة. أما عدد الإصابات الجديدة المؤكدة فقد ارتفع بشكل لافت، خلال شهر نونبر، الذي شهد تسجيل 901 إصابة، أي ما يقارب خمسة أضعاف الإصابات المعلن عنها طيلة شهر أكتوبر، حين توقفت عند 198 إصابة، بينما بلغ عدد الحالات النشطة، إلى غاية الجمعة الماضية، 1187 إصابة. وقد ارتفع العدد الإجمالي للإصابات المؤكدة بالفيروس في موريتانيا، إلى 9679 حالة، منها 194 وفاة. وإزاء "تفاقم حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد" المسجلة، مؤخرا، بالبلاد، دقت السلطات الموريتانية جرس الإنذار، وأثارت انتباه المواطنين إلى أن "الخطر قائم"، داعية "الجميع إلى توخي أقصى درجات الحذر والحيطة اللازمين"، ثم أقرت حزمة من الإجراءات للحد من انتشار العدوى، واعتمدت، في هذا السياق، نصوصا تنظيمية، تشمل تعميمات ومقررات صادرة عن القطاعات الحكومية المعنية، بهدف التحضير الجيد للإطار المؤسسي المناسب لها. وتمثلت أولى القرارات في تعليق الدراسة لمدة 10 أيام ، من 4 إلى 14 دجنبر، والحد من اللقاءات الحضورية غير الضرورية وإعطاء الأفضلية للقاءات عبر تقنية الفيديو، وتقليص عدد الموظفين المداومين في الإدارات العمومية، وكذا القيام بحملات تعقيم للإدارات والأماكن العامة. وتقرر كذلك عقد اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بتسيير الجائحة ومتابعتها كل 48 ساعة، لتقييم ومتابعة الوضع عن كثب، واتخاذ الإجراءات اللازمة. وعززت السلطات هذه الإجراءات بتكثيف عمليات تحسيس المواطنين بأهمية الالتزام بها، مستعينة في ذلك بمنظمات المجتمع المدني، كما عبأت السلطات الإدارية والمحلية، والأسلاك العسكرية والأمنية، من أجل السهر على التطبيق الصارم للإجراءات الاحترازية، بهدف "التخفيف من درجة خطر، وانتشار الجائحة". وحرصا منها على الحد من انتشار جائحة (كوفيد 19)، أعلنت السلطات عن رصد الوسائل الضرورية لذلك، من قبيل توفير الكمامات، ومواد التعقيم، لمرتادي الأماكن العمومية. وأمهلت السلطات الموريتانية مواطنيها مدة 48 ساعة للالتزام بالإجراءات الاحترازية المتخذة، تحت طائلة إنزال عقوبات مشددة على المخالفين، كما جاء على لسان وزير الداخلية واللامركزية، محمد سالم ولد مرزوك، أثناء قيامه بجولة، في أسواق العاصمة نواكشوط، لمتابعة انطلاق تنفيذ الخطة الجديدة للحد من تفشي الفيروس. ومن أجل تسهيل مهمة مراقبة الأسواق، أغلقت قوات الأمن الطرق المؤدية إلى الأسواق الكبرى في العاصمة، ومنعت السيارات من المرور منها. وصرح ولد مرزوك، عقب هذه الجولة، بأن السلطات ستسهر على تطبيق الاجراءات الاحترازية الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ، بكل حزم، وستتم "معاقبة" كل من يخالفها، مشيرا إلى أن احترامها "قد يغني عن إجراءات أكثر تقييدا". ودعت وزارة الداخلية واللامركزية أيضا المواطنين إلى التقيد ب"احترام الإجراءات التي اتخذت لمصلحتهم أولا وأخيرا" لوقاية الجميع من الوباء. وكان ولد مرزوك قد أكد في رسالة وجهها للولاة والحكام، أن "موريتانيا تعرف حاليا موجة ثانية من انتشار فيروس كورونا"، معتبرا أن "التراخي وعدم الجدية في تطبيق الإجراءات الوقائية، التي تم إقرارها على كافة المستويات، يعد عاملا مساعدا يضاعف من انتشار الوباء"، وطالب، بالتالي، من الولاة والحكام منع التجمعات غير الضرورية، ومراقبة الأماكن المفتوحة أمام العموم (الأسواق) والحرص على تنفيذ الإجراءات الوقائية على مستواها. وعلى صعيد متصل، أصدرت وزارتا الداخلية والتجارة مقررا مشتركا نص على اتخاذ جملة من إجراءات، خاصة في الأسواق، من قبيل "إلزام الزوار والعمال والباعة بوجوب ارتداء الكمامات أو ما يقوم مقامها، وتوفير محلول كحول مائي في كل محل تجاري، واحترام مسافة متر على الأقل بين الزبناء، وإعداد أحواض لغسل اليدين في كل سوق"، بالإضافة اعتماد نظام للتوعية في أسواق نواكشوط ومحلات بيع السيارات وأي مكان آخر للتجارة. وأوضح المقرر أن نظام التوعية ستقوم به "فرق متنقلة مزودة بإعلانات ومكبرات صوت، وأخرى راجلة للتوعية"، فيما ستكلف بالتوعية منظمات المجتمع المدني، كما نص على وضع "آلية مؤسسية" تتولى مهمة مراقبة تنفيذ الإجراءات في الأسواق، موزعة على مستوى مقاطعات نواكشوط التسع، مع تشكيل خلايا على مستوى كل سوق. فعلى مستوى كل مقاطعة ستكون هنالك لجنة إشراف ومراقبة يرأسها حاكم المقاطعة، وتضم في عضويتها أربعة ممثلين عن المصالح الأمنية والتقنية والبلدية والتجار، إلى جانب تشكيل خلية دائمة، يرأسها ممثل عن البلدية، وتضم ممثلا عن تجار السوق وعضوا آخر يتولى التنسيق مع مصالح الأمن. وفي الوقت الذي أبقت فيه السلطات الموريتانية على الأسواق مفتوحة، لما لإغلاقها من انعكاسات اقتصادية وخيمة، فقد فرضت في الآن ذاته إجراءات وقائية صارمة داخلها، علما بأن موريتانيا كانت قد دخلت، منذ أشهر، مرحلة التعايش مع جائحة (كوفيد-19)، التي أكدت اللجنة المكلفة بمتابعتها، مؤخرا، أنها ستعمل بكل الطرق المتاحة على الإسراع في اقتناء اللقاحات التي تثبت فعاليتها في مواجهتها. وكانت الحكومة الموريتانية قد اتخذت، على إثر تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا، يوم 13 مارس الماضي، جملة من التدابير الفورية الوقائية، شملت إغلاق المجال الجوي، وتقليص عدد نقاط العبور البرية الحدودية، وإغلاق المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة، وتعليق كافة الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية. كما شملت هذه التدابير الحظر البات لكافة أنواع التجمهر والتجمعات العامة، وحظر التجول الليلي، وتعليق صلاة الجمعة، وإخضاع كل المسافرين القادمين من المناطق المتضررة للعزل الصحي الذاتي لمدة 14 يوما.