الصديق الصباحي – مهندس باحث في الطاقات الجديدة والتنمية المستدامة بمجرد صدور مرسوم تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء بالجريدة الرسمية في عدد 10 غشت 2020، ثارت ضجة في أوساط المتتبعين للشأن السياسي، وذلك نظرا للانتماء السياسي للأعضاء الستة الذين يعينهم رئيسا غرفتي البرلمان، إذ أن كلا من هذين الأخيرين قد أصدر قرار تعيين الأعضاء الثلاثة من الحزب الذي ينتمي إليه، مما أعطى صورة سيئة جدا لهذه الهيأة ذات الدور الرئيس في تحرير سوق إنتاج الطاقة الكهربائية خاصة من مصادر متجددة تفعيلا للاستراتيجية الطاقية الوطنية، وقد طفا على السطح – إثر ضجة التعيينات – مرسوم تعويضات أعضاء مجلس الهيأة مما زاد الصورة سوداوية وأدى إلى تشكيك الرأي العام في جدوى إحداث هذه الهيئة من الأصل. إن كل متتبع لمسار تنفيذ الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي أطلقت سنة 2009 يدرك الحاجة الملحة لتقنين سوق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة ونقلها وتوزيعها لتمكين المستثمرين والمقاولات المختصة من ولوج سوق حرة لإنتاج الكهرباء. في هذا السياق صدرت ترسانة تشريعية أهمها قانون 13.09 الصادر في فبراير 2010 والمتعلق بالطاقات المتجددة، حيث خول لأول مرة لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص أو أشخاص ذاتيين إمكان إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة إضافة إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بعدما كان هذا الأخير – المكتب الوطني للكهرباء حين إحداثه – منفردا بتهيئة وسائل إنتاج الطاقة الكهربائية التي تفوق قوتها 300 كليوواط. كما صدرت قوانين أخرى لتعديل القانون المشار إليه – القانون رقم 58.15 ومسودة مشروع القانون رقم 40.19 – أو لإحداث المؤسسات المكلفة بتطوير مشاريع الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وتنفيذها وتمويلها إضافة إلى مؤسسات البحث والابتكار. في هذا الإطار، صدر القانون رقم 48.15 في شهر ماي 2016 في قسمين، حيث خصصت مواد قسمه الأول لمبادئ ضبط قطاع الكهرباء وتضمنت تحديد مهام مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل ومسيري الشبكات الكهربائية للتوزيع – والتركيز هنا على شبكات الجهد المتوسط – إضافة إلى مواد تضبط الولوج للشبكات وموارد مسيري الشبكات ومحددات تعريفة استعمال شبكة النقل وشبكة التوزيع ذات الجهد المتوسط، أما القسم الثاني لذات القانون فقد خصص لإحداث "الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء" وتحديد مهامها وأجهزتها وتنظيمها المالي والمحاسباتي إضافة لمقتضيات أخرى، وقد حددت مهمتها الرئيسة في السهر على ضمان حسن سير السوق الحرة للكهرباء وتولي ضبط ولوج المنتجين الذاتيين إلى الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل. وبغض النظر عن معايير اختيار أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، فإنه باكتمال تعيين هياكل الهيئة يبدأ العمل الفعلي لتحرير سوق إنتاج الكهرباء الذي طالما انتظره الفاعلون في قطاع الطاقات المتجددة منذ إطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية سنة 2009، ومع أهمية هذه المحطة التي تأخرت كثيرا، إذ أن عقدا واحدا يفصلنا عن سنة 2030 لبلوغ %52 من حصة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي الوطني، تشوب الصيغة التي خرجت بها الهيئة والنص القانوني لإحداثها نواقص تجدر الإشارة إليها على أمل اغتنام الفرصة الحالية لتعزيز الدور الضبطي المنوط بها والضروري لتحقيق رؤية الاستراتيجية الطاقية الوطنية، خاصة وأن هذه الأخيرة تحتاج لتحيين يناسب المرحلة الراهنة، فالحاجة صارت ملحة لبلورة مخطط جديد للانتقال الطاقي كما ورد في الوثيقة التي أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال شهر يونيو 2020 مبديا رأيه في "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر". أولى هذه الملاحظات وأهمها تظهر في اسم الهيئة ومهامها التي حصرت أدوارها الضبطية في قطاع الكهرباء، ظل هذا الاختزال في الوقت التي يوصي فيه خبراء قطاع الطاقة وطنيا ودوليا بوضع مخططات لتحقيق انتقال طاقي شامل يضم جميع أنواع الطاقة المستخدمة كمواد أولية وكاستعمال نهائي بما فيها قطاع المحروقات، خاصة أن هذا الأخير يعرف اختلالات كبيرة على رأسها مشكل الأسعار وغياب شروط المنافسة بين فاعلي القطاع، الشيء الذي أدى بمجلس المنافسة إلى إصدار تقرير يتضمن غرامات جزائية لشركات المحروقات التي ثبتت في حقها ممارسات مخالفة لقانون حرية المنافسة والأسعار، هذا القرار الذي عرف خلافا بين رئيس المجلس وأعضائه أدى إلى تحكيم ملكي بتعيين للجنة متخصصة للنظر في هذا النزاع، وقد سبق لذات المجلس أن أصدر رأيا حول تسقيف هوامش ربح شركات المحروقات في فبراير 2019 بطلب من وزير الحكامة والشؤون الاقتصادية حينئذ تضمن توصية بوضع آلية لنظامة سوق المحروقات مع منح هذا الاختصاص "للهيئة الوطنية لتقنين الطاقة" كما سميت في تقرير مجلس المنافسة، توصية مماثلة جاءت في الرأي المشار إليه أعلاه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث أوصى هذا الأخير في الفقرة الخاصة بقطاع المحروقات بتوسيع نطاق اختصاصات "الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء" إلى "هيئة ضبط الطاقة" بجميع مكوناتها لتشمل أيضا متطلبات النجاعة الطاقية في ميادين البناء والصناعة والنقل والإنارة وغيرها. الملاحظة الثانية متعلقة بجوانب هامة لم يشملها قانون ضبط قطاع الكهرباء، أهمها تخزين الطاقة الذي لا يزال يعاني من فراغ قانوني وضبطي باستثناء الإشارات النادرة التي وردت في المرسوم رقم 2-14-541 الذي يحدد اختصاصات وتنظيم قطاع الطاقة والمعادن بالوزارة الوصية لكنه لا يتعلق بالضرورة بتخزين الكهرباء، إضافة إلى معايير تقنية أصدرها المعهد المغربي للتقييس IMANOR، إلا أن مشاريع المنشآت الكبرى لتخزين الطاقة الكهربائية على نطاق واسع، والضرورية للمساهمة في توازن الإنتاج والطلب، تبقى في حاجة ملحة لإطار تشريعي يحدد مقتضيات الترخيص لها واستغلالها بتخزين الفائض في أوقات الذروة لاستخدامه في أوقات الحاجة أو ضخه في الشبكة الوطنية مع ضبط التسعيرة حسب الفترات المتفاوتة في الإنتاج والطلب. ينضاف إلى ذلك حصر مهام هيئة الضبط بالنسبة لشبكة توزيع الكهرباء ذات الجهد المتوسط مما يبقي شبكة الجهد المنخفض خارج التقنين – كما ورد في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي – رغم الحاجة لذلك لتشجيع الأفراد والمقاولات على الاستثمار في الطاقات المتجددة مع ضخ فائض إنتاجهم في شبكة التوزيع لربح الفارق في فاتورة الكهرباء. الملاحظة الثالثة متعلقة بالتعيينات في مجلس الهيئة من زاوية التخصصات المطلوبة، إذ أن القسم الثاني من القانون رقم 48.15 حدد أعضاء مجلس الهيئة في تسعة أعضاء، ثلاثة منهم يعينون بمرسوم مع اشتراط توفر الكفاءة القانونية في العضو الأول، والمالية في الثاني، والكفاءة في مجال الطاقة في الثالث، بينما الأعضاء الستة الذين يعينون مناصفة بقرار من رئيسي غرفتي البرلمان فقط اشترط فيهم التوفر على كفاءة في القانون أو المالية أو الطاقة، مما يفهم منه إمكان غياب كفاءة أو اثنتين في كل الأعضاء الستة نظرا للصيغة التي يفهم منها التخيير، وقد طرح بشأن التعيينات الأخيرة تساؤلات بشأن مدى إلمام بمجال الطاقة الكهربائية بين الأعضاء الستة، مما يضعف من حضور الكفاءة الطاقية في مجلس الهيئة المعنية بضبط الكهرباء – مع الأمل في ضبط كل قطاع الطاقة أخذا بالتوصيات المذكورة آنفا – علما أن التخصص في الطاقة في حد ذاته تخصصات، مما يتطلب خبرات في توليد الكهرباء من مصادر متجددة أو أحفورية بما فيه التوليد المتوزع (اللامركزي – décentralisé)، وأخرى في شبكات النقل والتوزيع بما فيها الشبكات الذكية (Smart grids)، وتخصصا في التخزين، إضافة إلى التوجه المستقبلي لإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر متجددة الذي تتطلع فيه المملكة إلى الريادة فيه. تتعدد الملاحظات حول الصيغة التي خرجت بها الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الشيء الذي يتطلب فتح نقاش بين المتخصصين في المجال إلى جانب النقاش العمومي الذي يجري حاليا، كل ذلك يصب في مصلحة تقوية دور هذه الهيئة ونجاعة ضبط قطاع الكهرباء، والطاقة بمفهومها الأشمل، خاصة وأن المغرب بصدد مراجعة استراتيجيته الطاقية بعد مرور أكثر من عقد على انطلاقها، وذلك من أجل الخروج بمخطط طاقي شامل يضمن استمرار تحقيق الأهداف المحددة سالفا مع تعزيزها بمستجدات تفتح بابا واسعا لريادة المملكة في إنتاج الكهرباء النظيفة والجزيئات الخضراء لبلوغ نمو اقتصادي ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، مع تخطيط متآزر بين جميع القطاعات في نموذج تنموي جديد يجعل المواطن في مركز السياسات العمومية للبلاد. المراجع : 1- الجريدة الرسمية عدد 6472 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2016 والمتضمن لمشروع القانون رقم 48.15 المتعلق بضبط قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء. 2- الجريدة الرسمية عدد 6831 الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.19.873 بشأن التعويضات المخولة لفائدة أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء. 3- الجريدة الرسمية عدد 6907 الصادر بتاريخ 10 أغسطس 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.20.564 بتعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء. 4- الجريدة الرسمية عدد 5822 الصادر بتاريخ 18 مارس 2010 والمتضمن للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة وقانوني إحداث الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوكالة الوطنية للطاقة الشمسية. 5- الجريدة الرسمية عدد 6433 الصادر بتاريخ 25 يناير 2016 والمتضمن للقانون رقم 58.15 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة. 6- مسودة مشروع القانون رقم 40.19 المغير والمتمم للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة بموقع الأمنة العامة للحكومة. 7- الجريدة الرسمية عدد 6502 الصادر بتاريخ 22 سبتمبر 2016 والمتضمن للقانون رقم 37.16 و38.16 و39.16 المتعلقة بتغيير في قوانين إحداث ا"لوكالة الوطنية للطاقة المستدامة" و"المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب" و"الوكالة الوطنية للنجاعة الطاقية". 8- رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر"، يونيو 2020. 9- رأي مجلس المنافسة حول مشروع قرار الحكومة بشأن تسقيف هوامش ربح المحروقات السائلة. 10- مقال "Stockage d'énergie à grande échelle au maroc : état des lieux et perspectives"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 7 يناير 2020 على موقع EcoActu.ma. 11- مقال "Legislative framework for renewable energy in Morocco"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 10 مارس 2019 على موقع Renewable Energy World.