ناقش ثلة من الخبراء والمسؤولين والأكاديميين المرموقين، في إطار منتدى "حوارات أطلسية" المقام بمراكش ما بين 13 و15 دجنبر الجاري، مختلف الإشكالات التي تعيق التنمية بإفريقيا في محاولة لاستشراف مجموعة من الحلول الناجعة تمكن القارة من تعزيز إشعاعها على الصعيد الدولي. وسجلوا استنادا إلى معطيات رقمية، أن إفريقيا التي تزخر بمؤهلات هائلة ومتنوعة لم تتمكن لحد الآن من فرض نفسها كقارة غنية وقوية، وذلك لعدة أسباب ترتبط بالحاجيات الكبيرة في مجال التكوين المهني وعدم الملاءمة بين التكوين ومتطلبات سوق الشغل، وحتمية تأقلم القارة مع السياق العالمي. وخلال جلسة حول موضوع "ملاءمة التكوين مع متطلبات مهن الغد"، تطرق المتدخلون للوضع الحرج الذي يعيشه مجال التعليم بالقارة، مبرزين أن 20 في المائة من الساكنة الإفريقية أي ما يقارب 200 مليون شخص تتراوح أعمارهم ما بين 14 و25 سنة يعانون من مشكل الأمية بنسبة 70 في المائة ومن البطالة بأزيد من 50 في المائة. وأضافوا أنه في مواجهة النقص الذي يعرفه ميدان تمدرس الشباب، تواصل القارة تسجيل خصاص في اليد العاملة المؤهلة مما من شأنه عرقلة نمو المقاولات بالقارة، مشيرين إلى مشكل آخر يتعلق بعدم ملاءمة التكوينات الموجودة مع انتظارات ومتطلبات المقاولات. وركزت رئيسة اتحاد أفارقة المهجر، كاسي فريمان، في مداخلتها على متطلبات الإعداد للعالم الرقمي، ومواجهة استفحال ظاهرة "الأمية الرقمية" في المجتمعات الإفريقية على الخصوص، داعية إلى تركيز الجهود على الجوانب البيداغوجية وليس على التجهيزات فقط، كما أوصت بإشراك الأسرة التعليمية في البحث عن الحلول لتقليص الفجوة الرقمية، وتمكين الطلبة من التعبير عن حاجياتهم وأخذها بعين الاعتبار. من جانبها، أبرزت السفيرة المتجولة لصاحب الجلالة، السيدة آسية بن صالح العلوي، أن التربية والعليم يعدان في قلب عملية إعداد المواطن الإفريقي لمواجهة تحديات المستقبل، داعية إلى ضرورة إصلاح التعليم باعتباره السبيل الوحيد لضمان انتقال سلس وآمن إلى المستقبل. واعتبرت أن انعدام اليقين بخصوص المستقبل بسبب التحولات السريعة في المجالات التقنية، تطرح بحدة إشكالية الملاءمة بين التعليم والتكوين، في وضعه الحالي، ومتطلبات المستقبل من حيث الكفاءات وفرص الشغل، مشيرة إلى أن العديد من المهن والوظائف المعروفة حاليا ستنقرض وستبرز مهن ووظائف أخرى بفضل التطورات التكنولوجية، مما يتطلب استشراف الحاجيات لتفادي حدوث بطالة واسعة في أوساط الشباب الذين يجري تكوينهم اليوم. وفي جلسة ثانية حول موضوع التقارب بين أمريكا وإفريقيا، توقف دانيال هاملتون، المدير التنفيذي لمركز العلاقات العبر أطلسية بجامعة جون هوبكينس، عند النموذج الأمريكي وكيف ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعيدة عن إفريقيا ومركزة على أمريكا اللاتينية وآسيا وأوربا، مذكرا أنه خلال ولاية باراك أوباما بدأت ملامح التقارب مع إفريقيا في الظهور غير أنها سرعان ما اختفت مع وصول دونالد ترامب للسلطة. وأشار هاملتون إلى أن الحوض الأطلسي يعتبر خزانا هائلا للطاقة، حيث يستحوذ على ثلث المخزون العالمي من الغاز وقدرات كبيرة في الطاقات المتجددة، يمكن تسخيرها لصالح التنمية في إفريقيا، داعيا إلى الاهتمام أكثر بالمبادلات عبر الأطلسي، سواء التجارية أو الثقافية، إضافة إلى التحديات الأمنية التي تطرحها تدفقات المخدرات والأسلحة وشبكات الإجرام والإرهاب، وضرورة التعاون بين ضفتي الأطلسي لمواجهتها. كما شكلت هذه الجلسة مناسبة للتوقف عند الضغط الذي تمارسه بعض الدول بالقارة الأمريكية لاستبعاد هذا التقارب مع القارة السمراء، وفي مقدمتها المكسيك والأرجنتين اللتين تعتبران أن إفريقيا قارة نائية ولا تشكل أهمية إستراتيجية. وخلال جلسة خصصت لدراسة دور السياسة الخارجية في التنمية، أكد وزير الخارجية الفرنسي الأسبق هوبر فيدرين، أن السياسات الخارجية أضحت مرتبطة بالرأي العام، وأن الغربيين لا يحتكرون العالم وأن لا أحد يمكنه ادعاء فكرة الاستحواذ. وقال ، من جهة أخرى، إن "إفريقيا ليست محتاجة اليوم إلى مساعدات، فالأفارقة يريدون التنمية والمعرفة والتكنولوجيا، والتصنيع وولوج الأسواق"، منتقدا، في هذا السياق، مراهنة أوروبا على المساعدات لدعم التنمية. وأجمع المتدخلون في هذه الجلسة، على التأكيد أنه ليس أمام إفريقيا في ظل التكتلات التي يعرفها العالم من حل سوى محاولة التأقلم لإيجاد مكان لها في ظل السياق المتحول. وأضافوا أن إفريقيا لا تحتاج اليوم لمساعدات القوى الغربية ولا الآسيوية وإنما تسعى إلى جلب الاستثمارات والبحث عن امتلاك آليات ناجعة تتيح لها إرساء حكامة جيدة ومحاربة الرشوة لإنجاح نموذجها الاقتصادي وتكوين الشباب. وارتباطا بالقارة الإفريقية، أكد مجموعة من المتدخلين أثناء مناقشتهم لموضوع مستقبل إفريقيا، على أن القارة تواجه اختلالات عدة نتيجة نماذجها الاقتصادية المعتمدة، مذكرين أنه ومنذ زمن طويل تتعرض هذه الرقعة من العالم لاستنزاف حقيقي لمواردها الطبيعية والطاقية من قبل شركات متعددة الجنسيات غربية وآسيوية. وأضافوا أن هذه الوضعية تعيق أي عملية إعادة التوزيع العادل للثروات في ظل غياب موارد طاقية وتدهور الوضع الأمني. واستمرارا في مناقشة القضايا الكبرى لإفريقيا، نظمت جلسة أخرى حول موضوع "القوى العظمى والسياسة الدولية لإفريقيا"، تناول خلالها المشاركون الوضع الجيو سياسي بالقارة والتدخلات الأجنبية في شؤون عدد من الدول الإفريقية. وقالت، في هذا السياق، الوزيرة الأولى السابقة بالسنغال، أميناتو توري، إن الغرب " كان متواجدا ولزمن طويل بالقارة الإفريقية ويعتبرها سوقا تابعة له"، مشيرة إلى أن إفريقيا استفادت كثيرا من دروس الماضي وأن البلدان الإفريقية تريد حاليا التعاون وتحقيق التقدم رفقة جيرانها بنفس القارة. وعبرت عن أسفها في استمرار وسائل الإعلام الدولية في تكريس الصورة النمطية عن إفريقيا وإحجامها عن نقل النجاحات والمشاريع والاستثمارات وأخبار معدلات النمو المرتفعة بالقارة. من جانبه، شدد الكاتب العام للإتحاد من أجل المتوسط، فتح الله السجلماسي، على أهمية التعاون جنوب جنوب، مبرزا أن التحديات التي تواجه إفريقيا في علاقاتها مع القوى العظمى من شأنها أن تعزز لدى الأفارقة الشعور بأهمية الوحدة، والإحساس بوحدة المصير، وأن قوتهم تكمن في وحدتهم. أما مستشارة الدولة بإسبانيا أنا بالاسيو، فأكدت أن مستقبل إفريقيا بين أيدي الأفارقة أنفسهم، وقالت في هذا الصدد، "يكفي من التركيز على المشاكل والنقائص بدل إبراز النجاحات، وعلى الأفارقة أخذ مصيرهم بيدهم وأن يضعوا هم استراتيجياتهم التي تلائمهم". وأشارت بالاسيو إلى أن الإتحاد الإفريقي لم يكن يعتبر قوة عظمى من قبل لأنه كان ناقصا، غير أنه مع عودة المغرب إلى حظيرته أصبح ينظر إليه كشريك ممتاز. وارتباطا بمجال الطاقة الذي يعتبر عاملا أساسيا في تسريع وتيرة التنمية بإفريقيا، أكد مشاركون في جلسة أخرى، أن القارة السمراء تزخر بموارد طاقية هائلة وإمكانات متميزة في مجال الطاقات المتجددة، غير أنها لا زالت تعاني من عجز طاقي حاد حيث أن ما لا يقل عن 600 مليون إفريقي لا يستفيدون من الكهرباء. وتساءلوا في هذا الصدد، عن كيفية تشجيع المستثمرين للقدوم إلى القارة ما دامت الطاقة تشكل مشكلا حقيقيا، مشيرين إلى أنه وأكثر من أي وقت مضى، أضحى التزود بالطاقة ورشا يحظى بالأولوية بإفريقيا في ظل استمرار الطلب على الطاقة بالقارة والذي يسجل ارتفاعا بنسبة 9 في المائة. وارتباطا بتمويل البنيات التحتية، كشف متدخلون في جلسة أخرى، أن إفريقيا تحتاج إلى 80 مليار دولار لتمويل مشاريع البنيات التحتية، في حين أن المبلغ الذي تمت تعبئته لم يتجاوز 45 مليار. ويهدف هذا المنتدى السنوي، الذي تم إطلاقه سنة 2012، من قبل مركز التفكير"بوليسي سانتر"، إلى فتح نقاش عالمي حول الرهانات الأطلسية وإسماع صوت ووجهات نظر دول الجنوب، بحضور شخصيات سياسية وموظفين سامين وباحثين وأصحاب القرار السياسي أتوا من المنطقة الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي وأمريكا ليتبادلوا الرؤى على قدم المساواة من أجل إرساء حوار متوازن بين الشمال والجنوب.