طرق قضاة المجلس الجهوي للحسابات بحر الأسبوع المنصرم أبواب الجماعة الحضرية لمراكش، وشرعوا بالنبش في الملفات والوثائق المتعلقة بكل من الشركة الإسبانية «ألزا-تور» الفائزة بصفقة النقل السياحي، والشركة العامة للمراكن «أفيلمار» ثمرة «زواج المتعة» الذي ربط بين المجلس الجماعي والصندوق الوطني للإيداع والتدبير. فلم يترك قضاة إدريس جطو للعاصفة التي أثارها تدبير الشركتين للقطاعات المعنية وما رافقها من ذيول الاختلال والتجاوزات أن تمر دون مواكبتها بالمتعين من صنوف التدقيق والافتحاص، الارتجالية والعشوائية التي ميزت سياسة أهل الحل والعقد بالمجلس الجماعي في مواجهة نزيف الاختلال المومأ إليه والذي أدى إلى هدر ملايين السنتيمات من المال العام. سياسة خلفت في حينها الكثير من علامات الاستفهام المحيرة ارتفعت حدتها مع تولي أهل المصباح مقاليد تسيير الجماعة الحضرية، حين طفت على السطح مجموعة من الحقائق المثيرة من قبيل قيام المجلس السابق على مراسلة الشركة من أجل التوقف عن العمل لحين تجديد صفقة تدبير القطاع، لانتهاء مدة عقد الاستغلال الذي يربطهها بالمجلس لكن الأخيرة للأسف الشديد لا تزال تعمل خارج القانون بعد انتهاء العقدة التي بربطها بالمجلس بتاريخ 30 يونيو 2015. قرار لم يجد آذانا صاغية من مسؤولي الشركة الذين أصروا على مواصلة استغلال المرفق في تحد صارخ لكل القوانين المنظمة للمجال، فبقيت دار لقمان على حالها لحين دخول مرحلة التسيير الجديدة وتولي أصحاب المصباح دفة تسيير الشأن المحلي ومواجهتهم الأمر بسياسة «أذن كيال»، مع استمرار الشركة في جني الأرباح المادية خارج تغطية أي رخصة قانونية. ضاق مهنيو «الكوتشي» من التضييق على أرزاقهم وأعلنوها صرخة مدوية للفت الأنظار لما يجري ويدور من هدر للمال العام على يد الشركة، فقاموا بمحاصرة حافلاتها في أكثر من مناسبة مع ما استتبع الأمر من أجواء الاحتقان، قبل أن يعملوا على نقل احتجاجهم لمكتب العمدة نفسه الذي واجههم بجواب غاية من الغرابة والسريالية عبر تأكيده بأن شركة «مراكش تور» للنقل السياحي ستواصل عملها، لأن المجلس «جا لقاها خدامة». بعد سلسلة من المواقف المماثلة والاحتجاجات المتواصلة، تم الإعلان عن صفقة عمومية جديدة، لتتمكن الشركة نفسها ورغم كل الملاحظات المسجلة من الفوز بصفقة النقل السياحي لمدة 5 سنوات، ودون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء إلزامها أداء مستحقات المجلس عن الأشهر التي اشتغلت فيها خارج القانون، حيث انتزعت الصفقة من بين مخالب مجموعة من الشركات المنافسة. لم يكن حظ مالية المدينة مع الشركة العامة للمراكن «أفيلمار» بأحسن من الشركة الإسبانية، فمنذ الإعلان عن «زواج المتعة» بين المجلس الجماعي وصندوق الإيداع والتدبير الذي أثمر ميلاد «أفيلمار» ضمن مخاض شركات التنمية المحلية، ظل قطاع المراكن يعاني صنوف الاختلال والاستنزاف، ولم يمنح لساكنة مراكش وضيوفها سوى الرجم بألوان المعاناة والمشاكل من خلال عقل سياراتهم ب«الصابو» وحشرهم في أثون المواجهات اليومية، وإدخال البلدية في دوامة من القضايا التي باتت تعج بها المحاكم. جلوس البيجيديين خلف مقود التسير بالمجلس الجماعي ورغبتهم في تسجيل نقط انتخابية لفائدتهم، جعلت العمدة يبادر بقرار فردي بمراسلة الشركة ومنعها من الاستمرار في إعمال «الصابو» كسلاح رادع في حق أصحاب السيارات، بالرغم من كون إخوان ابن كيران كانوا في مقدمة صفوف الداعمين والمصوتين على قرار إحداث الشركة على عهد مرحلتي التسيير السابقتين. الشركة التي اعتبرت قرار العمدة المفاجئ ضربة موجعة لمداخيلها المالية، قررت رد الصاع صاعين فأعلنت عن انسحابها من القطاع برمته تاركة الجمل بما حمل، وبالتالي إغراق المراكن التابعة لها في بحر من الفوضى بعد أن استغل بعض المتطفلين «الفراغ الذي خلفته الشركة» وتسلطوا على مجمل المواقف والمراكن حيث نصبوا أنفسهم «جباة» يستخلصون واجبات الركن، وتحريف مسارات مداخيلها المالية صوب جيوبهم الخاصة بعيدا عن صناديق الجماعة. واقع أربك حسابات القيمين على الشأن المحلي، وجعلوهم يبادرون باتخاذ قرارات عبثية لا تستقيم ومنطق الحكامة والحفاظ على المال، وهي الحقيقة التي يؤكدها إقدام العمدة على إصدار بلاغ باسم المجلس تعلن سطوره «بأن المراكن المعنية مخصصة للاستغلال بالمجان لحين إجراء الصفقات التفاوضية لكرائها من جديد». قرار وضع العربي بلقايد العمدة الإسلامي موضع «المنبت الذي لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى»، إذ لم يستطع المحافظة على أموال الجماعة بصفته الآمر بالصرف والمؤتمن الأول والأخير على «فلوس المدينة»، ولا تمكن من تقديم بدائل معقولة لتنظيم قطاع المراكن ومحاطات وقوف السيارات الذي أصبح مرة أخرى لقمة سائغة في فم «اللوبيات» التي دأبت على احتكار المجال.