إستقبل المراكشيون اليومين الأولين من شهر رمضان المبارك في ظل ارتفاع نسبي في درجة الحرارة التي تخطت حاجز الأربعين بخمس درجات، فبدت شوارع المدينة الحمراء شبه مقفرة وخاوية الا من بعض المارة الذين أرغمتهم ظروفهم على التنقل تحت قيض أشعة الشمس الحارقة التي تسببت خلال اليوم الأول في حالة إغماء للبعض ممن لم يستطع تحمل الصيام والحر ليسقط على قارعة الطريق مثلما حدث لرجل بحي أزلي، حالة الطقس التي تقسو غالبا على البسطاء ممن لايمتلكون مكيفات أو مسابح ببيوتهم كالبعض من علية القوم تدفع بهم إلى البحث عن ملاذ للإحتماء من الحر، حيث تتحول نافورات الشوارع إلى مسابح عمومية يرتمي فيها المراهقون بينما يلوذ الكبار بالمساجد وجوامع المدينة، وتفتح الشوارع الكبرى والفضاءات العامة والحدائق أذرعها للهاربين من سخونة الشقق الإقتصادية ليلا. المساجد ملاذ للعبادة والإحتماء من الحر: يفضّل العديد من المواطنين لاسيما المتقاعدين والعاطلين عن العمل ارتياد المساجد ليس فقط لأداء صلواتهم بل لاستراق لحظات من الراحة ومنهم من يخلد للنوم تحت هدير المراوح التي تلطف من حرارة بيوت الله والتي تفتح أبوابها على غير العادة طيلة اليوم، فيفضل المرء قضاء معظم وقته داخل المسجد الذي غالبا ما يغادره بعد أداء صلاة المغرب باتجاه بيته للافطار، فيكون قد ضرب العصفورين بحجر واحد كما يقال، أداء صلواته في وقتها وكسب أجر الرحمان والإفلات من قساوة الحرارة التي أهلت في رمضان. النافورات،،، مسابح الراجلين والمراهقين: من الظواهر التي تنتعش في المدينة الحمراء بفعل الحرارة، هي تحول النافورات الكبرى ببعض الشوارع إلى مسابح يرتادها المراهقون والأطفال بل وحتى بعض المارة الذين يضطرون إلى الارتماء بملابسهم وسط الماء علها تبقى مبتلة لغاية وصول وجهتهم، نافورة البردعي بشارع محمد الخامس والحارثي بشارع الحسن الثاني والنافورات المقابلة لكازينو السعدي وغيرها تتحول إلى وجهة للأطفال والشبان حديثي العهد بالصيام في انتظار أن تفتح المسابح العمومية أبوابها، فيما يقتنص البعض لحظات من الراحة تحت مكيفات الاسواق الممتازة. الشوارع والحدائق ،، ملاذ الهاربين من حر البيوت ليلا الحرارة التي تحول مراكش نهارا إلى أشبه بمدينة الاشباح، هي من تجعل منها مدينة عامرة تنبض بالحياة ليلا، حيث تتحول الفضاءات الخضراء و الحدائق المترامية على طول الشوارع الكبرى مثل شارع محمد السادس الممتد لكيلومترات باتجاه منتجعات اوريكا الجبلية، إلى قبلة للاسر المراكشية الهاربة من الحرارة التي تنفثها جدران الشقق، فينزل المراكشيون فرادى وجماعات بعض صلاة التراويح لهاته الامكنة حيث يفضّل الكثيرون تناول وجبات عشائهم في الهواء الطلق والانخراط في جلسات سهر مرحة تمتد غالبا إلى وقت السحور. الحرارة أم الإختراع مهما بلغت درجة الحرارة مبلغها فلن يعدم المراكشي من وسيلة للتأقلم معها، حيث يلجأ مرتادوا وسائل النقل العمومي مثل الحافلات إلى الاستعانة ب”البخاخات” أو الرشاشات البلاستيكية التي يتم ملؤها بماء الثلاجة، يرش بها المرء على وجهه ورأسه لمقاومة لفحات الحر، فيملؤها بين الفينة والأخرى من قنينة يحتفظ بها احتياطا في حقيبته، وفي غالب الأحيان يتحلق البعض حول صاحب الرشاشة التي يصوبها نحوهم ليدر عليهم قطراتها الباردة، بينما تلوذ النساء بوضع ” فولارات” ونظارات شمسية لمنع تأثيرات الحرارة التي قد تشوه لون الوجه أو تضر ببشرته. التلاميذ والطلبة بين عامل الحرارة ورمضان وضغط الإمتحان: تزامنت برمجة إختبار البكالوريا وامتحانات الكليات هذا العام مع أولى أيام رمضان المبارك، فصار التلاميذ والطلبة رهيني عامل الحرارة ورمضان وضغط الاختبارات، واعتبرت هاته الشريحة أن كل العوامل تحالفت ضدها للتأثير على هاته المحطة الحاسمة في مشوارها الدراسي، إذ لم يخف التلاميذ والطلبة إستياؤهم من الظروف الصعبة التي يخضعون فيه للاختبار وكأن وزارتي بالمختار والأودية تتواطئان مع عامل الطقس والظروف المناخية ضدهم للتأثير على حظوظهم، فالعديد من التلاميذ والطلبة لاسيما القاطنين بضواحي المدينة كانوا يجدون في ظل هاته الظروف صعوبة للتنقل في عبر الحافلات العمومية التي تتحول إلى قطع حامية. مهما ارتفعت درجة الحرارة بالمدينة الحمراء فلن تستطيع أن تنزع من المراكشي دعابته المعهودة وروحه المرحة، حيث حول العديد من أبناء الحمراء صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” إلى مادة للسخرية من الحرارة التي شهدتها المدينة مع بدء أول أيام الصيام، فعلق البعض مازحا بأن الشمس أبت الا أن تهنئ المراكشيين شخصيا بهذا الشهر المبارك، بينما كتب البعض الآخر بالدارجة “اللي كان راجل إيجي إصوم رمضان فمراكش”، غير أن أكثر ما يضايق المراكشي البسيط ليس الحر بعينه بل هو ضيق ذات اليد وهو الأمر الذي عبر عنه شيخ تجاوز عقده السبعين بخمس سنوات في ربورتاج للقناة الاولى حينما سألته الصحافية وهو جالس أمام آلات الحدادة التقليدية “واش مكتقهرك الحرارة”، ليجيبها وهو يبتسم “أنا متنحس بالحرارة،،،أن تنحس بالميزيرية” في إشارة إلى الحاجة وضيق ذات اليد.