مشاركة أزيد من 30 تشكيليا في الحدث الفني والثقافي كان افتتاح الدورة الثالثة من التظاهرة "الأيادي التي تبصر"، مساء الجمعة المنصرم برواق فضاء القبة بالدارالبيضاء استثنائيا، فبالإضافة الى حضور الفنانين التشكيليين البارزين في الساحة الفنية المغربية، الذين حضروا بتجاربهم الإبداعية، كان حضور الفنان التشكيلي العالمي، الحسين طلال، بارزا، حيث اخذ مجموعة من الصور مع المشاركين في الحدث الفني. وقال طلال إن اللقاءات الفنية والتظاهرات الثقافية لها وقع خاص من خلال التنمية الثقافية، مبرزا أنه يتمنى أن يتنافس منظمو هذه اللقاءات والملتقيات في كل مدن المملكة، لأنها تلعب دورا كبيرا في مد الجسور بين الفنانين والجمهور، وهي وسيلة لتقريب الشعوب والأمم. من جهة أخرى نوه طلال بالقائمين على هذه التظاهرة الفنية التي وصلت عامها الثالث، مؤكدا أن الحدث الفني يشهد تنوعا في الأعمال، وحركية تعز عن الوصف، معتبرا ان المشهد التشكيلي المغربي يتميز بكل الحساسيات والتعابير الجمالية من الفن العفوي، والتجريدي والتشخيصي، والتنصيبات، والتصوير. هذا الغنى يكشف الأضواء الفاتنة للمغرب، الذي احتضن تجارب فنانين عالميين من أمثال دولاكروا، وماتيس، وماجوريل، والقائمة طويلة. ولفت الحسين طلال في حديثه إلى أن الفن يتميز بامتداداته الإنسانية وغناه الروحي، مشيرا إلى أن الفن مرتبط بالإبداع الفردي والجماعي في أبلغ صورة. فهو صورة الشعوب التي لا يمكن أن تتقدم إلا بالثقافة والفن، وفي هذا الصدد استشهد بمقولة من خطاب صاحب الجلالة في الذكرى 59 لثورة الملك والشعب وعيد الشباب، حيث أشار صاحب الجلالة "الثقافة تعد اليوم رافعة أساسية للإبداع والابتكار، وتغذية الروح، وإبراز الشخصية الوطنية، وبالتالي هي المحرك لدينامية مجتمعنا، الذي بقدر ما يعتز بتعددية روافده، وبرصيده الحضاري العريق، فإنه يظل متمسكا بتنوع خصوصياته وبانفتاحه على العالم". وارتباطا بلقاء رواق القبة فإن جمعية "إبداع وتواصل" ترفع في الدورة الثالثة للمعرض الدولي للفن التشكيلي شعار " الأيادي التي تبصر " بشراكة مع جمعية قدماء التلاميذ البيضاويين، ومجلس جماعة الدارالبيضاء و الأكاديمية العالمية للفن التي يترأسها الفنان العالمي بريك هير والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء وجمعية الفكر التشكيلي. على مستوى آخر، تعززت فعاليات هذه الدورة الجديدة من هذا الحدث الإبداعي المنفرد بتكريم الفنان التشكيلي الرائد أحمد الشرقاوي صديق الفنان التشكيلي طلال، وبمشاركة عدد وازن من الفنانين المغاربة ونظرائهم من سائر الأقطار الدولية الصديقة والشقيقة الذين انخرطوا في هذا المشروع الفني والتنموي الذي يستجيب لانتظارات الفاعلين في الشأن الفني من أجل النهوض بقطاع الفنون الجميلة عبر ثقافة الحوار و التبادل والشراكة بين مختلف المبدعين التشكيليين. حول مميزات الدورة الثالثة، صرحت الفنانة زهرة الكو، رئيسة جمعية " إبداع وتواصل": " باعتباره مبادرة أفقية، فإن المعرض عبر الثقافي " الأيادي التي تبصر" يشرك في مشواره التشاركي كل المولعين بالفن. ونحن نفكر في الفن انطلاقا من الواقع، يطمح معرض " الأيادي التي تبصر " إلى أن يكون حدثا يعطي الأفضلية لممارسات أسلوبية متعددة تتجلى بصيغة مغايرة لما يتم على شكل أعمال فنية. جماليا يمكن القول إن المعرض استطاع أن يكسب رهان التوحد بين كل الفنانين، خصوصا حينما تتجاور التجارب التشكيلية مشكلة سيمفونية اللون والحركة والإيقاع، حيث إن الزائر يجد ذاته في عمق مشهد تشكيلي متنوع ومتعدد التيارات الجمالية، أي أن اللوحات المعروضة تحيل وعلى نحو زاخر وثري، إلى تعددية ملحوظة في الانتسابات المدرسية والخصوصيات الأسلوبية، الشيء الذي يكشف عن تعددية أقانيم الإبداع التشكيلي المغربي، الذي رغم حداثة زمنه الإبداعي، فإنه يظل غير قابل للقياس بمعيار الزمن الفيزيقي أو الكرونولوجي، فهو منفتح على أزمنة متعددة. المتتبع للحركة الفنية يقف مشدوها أمام أسماء التي شاركت في الملتقى التشكيلي، منها ضيوف الدورة الثالثة، وهم سميرة أبو حسن من فلسطين، وعائشة أحرضان، وحميد علوي، وعبد الالاه شهيدي، وعبد الرحمان رحول، وعبد الرحمان الهناوي، ومحمد كزولا، وشيماء رياحي، ومنصوري إدريسي، وسعيد لحسيني، وسعيد الراجي، في حين نقف عند المشاركين، الذين ينتمون في أغلبهم إلى الحساسية الجديدة، نذكر زهرة ألكو، وخديجة أفيلال، ورشيد أفيلال، وعبد الرحيم أبو معروف، وصفية عبي،، وعبد الله فنينو، وحسن الشيخ، ومحمد عفيفي، وندى أمزيان، ويسرا عزوز، ومحمد بوعافية، ونادية عراقي، ورشيد إغلي، ويوسف لبدك، وجلال بلعسل،، وعبد القادر بوتافي، وعائشة جباري، وحبيبة كرمومي، ومحمد خياري، ووردة رحباني، إلى جانب الفنان التشكيلي العصامي مصطفى العمري، الذي شارك بعملين متميزين. ويعتبر المجذوب من الفنانين القلائل بالمغرب غزيري الإنتاج في مجال الفن التشكيلي الفطري، معتمدا في ذلك على الجذبة والبخور، حيث ذات ليلة استثنائية رأى في منامه رؤية، وهو يرسم لوحة لا اسم لها منذورة لكل التأويلات والقراءات تعكس أقنعة الوجوه، ورموزا تراثية وخطوطا ومنعرجات وكأنها دراسة للقيم الانسانية النبيلة. وانطلاقا من هذا المعطى الخاص، رسم المجذوب مساره الفني بإصرار وإرادة وحب، فهو يرسم بتلقائية وعفوية بليغتين لوحات تمثل قيم البراءة، الصفاء، الحب والتآخي والسمو الروحي، بعيدا عن ثقافة العنف والإقصاء وانحلال القيم وموتها. المجذوب وهو لقب قريب إلى قلبه، وكثيرا ما ينتشي حين تتلقف أذناه هذا الاسم، ويعبر عن ذلك بابتسامة عريضة تعلو محياه، فهو دائم البحث والسؤال عن جديد الساحة الفنية، وغالبا ما يقضي ليلة بيضاء في حضرة مرسمه، حين يستغرق في تلوين القماشة التي تنطق وجوها وعلامات وحده يعرف أسرارها. المجذوب تشكيلي بصيغة الجمع مثقف وشاعر يتحدث لغة عربية رصينة وفرنسية يضاهي بها أساتذة اللغة انفسهم، إنه بلغة الصامتين والحكماء، فنان مقدراته التشكيلية تعز عن كل وصف، وإن كان تخرج من بيت الفنانة الكبيرة العالمية الشعيبية، لكن أسلوبه يختلف كليا عن المرأة التي قبل المشاهير يدها. تجربة أخرى نسوية تألقت في المعرض والأمر يتعلق بالفنانة العصامية نعيمة حسوان، ولعل أبلغ قراءة في أعمالها تعود إلى الناقد الأدبي والفني الليبي عمران بشنهد، الذي اعتبر هذه التجربة مسكونة بروح المغامرة والتجديد، الأعمال الفنية التي تقدمها حسوان رديفة لفتنة الهروب وللتعالي العمودي، فهي تعرض كما يقول الناقد بصفة منتظمة، حيث تحتفي الفنانة بالحياة والطبيعة معا. حسوان التي ارتضت الفن التشكيلي مسارا متعدد القراءات والتأويلات، تحاول أن تجسد الواقع في لوحاتها، حيث ترصد مجموعة من التيمات من قبيل الاحتفاء بالنساء والخيول، والورود، والوجوه. على مستوى النقد، تبرز تجربة الفنان التشكيلي عبد الحق سليم، التي أثارت حفيظة النقاد فهو يستوحى فنه وإبداعه من الفرنسي ايتيان ديني، الذي هاجر إلى الجنوب الجزائري، حيث عاش واستوطن به ليدفن به كما أوصى، والاسباني ماريانو برتوشي، وهو أحد الرواد الذين ساهموا في التأسيس للحركة الفنية التشكيلية في المغرب، خصوصا في شمال المملكة ومؤسس أول مدرسة بمدينة تطوان، باعتبارهما فنانين يعتمدان في رسمهما على تراث وتاريخ وطنهما. وتعد أعمال سليم حسب مجموعة من النقاد معادلا موضوعيا للتراث المغربي ومشاهد المغرب الخلابة. وفي حديث سابق قال سليم إن بداياته الأولى في عالم الصباغة، ارتبطت بمحاكاة المشاهد التي يراها ويتفنن في رسمها، إلى ان اكتسب خبرة وتجربة، وبعدها أصبح يعتمد على المزج بين الخيال والواقع، مشيرا إلى أنه يمكن أن يضع أي شخص في أي مكان يريد، مما يعطي موضوعا فنيا متميزا. وبخصوص المدة الزمنية التي تستغرقها اللوحة، قال إن ذلك راجع لحجمها وموضوعها، وقد يتطلب الأمر يوما أو شهرا أو شهرين.