صناعة الفخار هي أول حرفة في تاريخ البشرية، تعتمد على الطين كمادة أولية، لكن هذه الحرفة التي عرفت تراجعا كبيرا في عدد من البلدان نتيجة منافسة المنتجات العصرية لها، أصبحت جزءا من ثراث الماضي في بلدان أخرى، وتعرض كمادة تراتية قديمة في المتاحف. وحده المغرب البلد الذي ماتزال فيه هذه المهنة تشهد رواجا وتقف بقوة في منافسة المنتجات الحديثة، ويعود ذلك إلى المطبخ المغربي الذي يعتمد في إعداد وجباته على الأواني المصنوعة من الفخار مثل الطاجين الذي لايخلو منه أي بيت في مختلف أنحاء المغرب، والطنجية الآنية التي اشتهرت بها مدينة مراكش . وتعتبر الطنجية الفخارية من أفضل الأواني الطينية التي تطبخ فيها أشهى الأطباق المراكشية، حيث تعطي للأكل نكهة خاصة، فالمطبخ المغربي له الفضل في صناعة الفخار ورواجه، والفخار جزءا من أثاث المنزل المراكشي وخلفه يكمن تدافع السياح على المدينة الحمراء. وارتبطت "الطنجية" المراكشية بالمجال الحرفي ، إذ يرجع الفضل في ظهورها إلى "الصنايعية" أو الحرفيين اليدويين الدين كانوا يشتغلون في إطار مجموعات داخل الأسواق والفنادق المتخصصة في إنتاج المصنوعات التقليدية من اجل استغلال الوقت في العمل المنتج بدل قضاء الوقت في الطبخ والطهي الذي يتطلب الكثير من حيث التحضير. وتتخذ "الطنجية" التي لايمكن ذكرها دون إضافة كلمة المراكشية إليها، أشكالا متعددة حسب رغبة المستفيد منها، وتتحدد قيمتها وطبيعتها انطلاقا من إمكانيات صاحبها ، وتتميز بنكهة خاصة وطعم يختلف مذاقه عن باقي المأكولات الأخرى. ويعود ازدهار الفخار في المغرب إلى عدة أسباب بينها ماهو مرتبط بالعادات المغربية اليومية كالطبخ بالأواني الفخارية وأخرى لها علاقة جمالية وفنية اذ حرص الصناع التقليديين المغاربة عموما والمراكشيون على وجه الخصوص على الارتقاء بصناعة الفخار إلى مصاف الأعمال الفنية التي يقبل السياح الأجانب على شرائها وعرضها كجزء من الديكور المنزلي.
وللفخار أسراره التي ارتبطت أحيانا بأسماء عائلات محددة توارثت هذه المهنة وهناك بعض الحرفيين الذين داعت شهرتهم في المغرب والعالم وتعرض منتجاتهم في اكبر القصور والفنادق في أوروبا وأمريكا. خلال زيارتها لمعمل تصنيع الفخار بمنطقة يطلق عليها اسم الفخارة بالقرب من دوار إزيكي بمراكش، وقفت "كش 24″ عند مراحل صناعة الفخار، حيث يمر الطين تحت أيادي الصناع والحرفيين ليأخد أشكالا متعددة تتلاءم مع الأغراض التي أنشأت من أجلها ويترك في الشمس لمدة أربعة أيام ليجف وهذه العملية مهمة خاصة بالنسبة لأواني الطبخ التي يجب أن تجف بشكل جيد قبل أن تدخل الى الأفران، لان عدم جفافها بشكل كامل يعرضها للكسر تحت ضغط حرارة الطبخ. يقول محمد اليابوري من مواليد 1967 وهو صانع تقليدي مارس مهنة الفخارة منذ نعومة أظافره في ورشة أبيه الذي تتلمذ على يدي معلمين ينتمون الى تامكروت، خلال حديثه ل"تدبير" عن بعض أسرار هذه الحرفة، إننا كنا نميز بين مجموعة من الاثربة، وكنا نختار التراب المتميز، ليجري خلطه بالماء، ونشرع في انجاز اشكالا متعددة. ويضيف اليابوري، أن التطور الذي شهدته صناعة الفخار بدأ منذ بداية الثمانينات وأصبحنا ننتج مجموعة من الاكسسوارات التي لقيت اقبالا كبيرا من طرف السياح الأجانب، إضافة إلى صناعة "القرمود" الذي كان يوضع على أسطح المنازل. من جانبه، أوضح التيهي محمد وهو صانع تقليدي بمراكش، سبق له ان أشرف على صنع أكبر طنجية، يبلغ طولها مترين وعرضها متر واحد، فإن هده الأخيرة تطلب انجازها 20 يوما من العمل المتواصل بمساعدة ثلاث عمال ،واستعملت فيها كمية من الطين قدرت بحوالي 75 كلغ. وأضاف التيهي في لقائه مع "كش 24" أن الطنجية المذكورة جرى حرقها خلال مرحلتين في فرن تقليدي خاص بالفخار بمنطقة تامصلوحت لمدة 12 ساعة في كل مرحلة لتتخذ شكلها العادي والطبيعي مثل باقي الأواني الفخارية الأخرى.
واوضح التيهي، أن صناعة الفخار تعتمد على الطين كمادة خام وهي أساس الفخار الذي يشتهر به المغرب، الذي يحظى بسمعة كبيرة من خلال جودة المادة الخام وتنوع الرسومات والأشكال لقطع الفخار المزخرف برسومات توضح الهوية الإسلامية التاريخية للمغرب على مدى العصور الماضية. وتجعل الأفران التقليدية التي تستعمل الحطب لتوليد النار، الفخار أكثر صلابة وتحملا للحرارة وهذا ما تحتاجه فخار أواني الطبخ لتكون بجودة عالية، أما الأفران الكهربائية فإنها تستعمل لحرق المزهريات وقطع الديكور، والقطع المفخورة يجري تلوينها بألوان طبيعية على أيدي حرفيين للتلوين بزخارف وتشكيلات برع الصناع التقليديون بها بعضها عربي أو أندلسي أو مزيج بين الاثنين، قبل أن تعطي للقطعة الفخارية لونها النهائي. وهناك نوع آخر من الفخار الممزوج بالمعادن، حيث يشكل فن الفخار والخزف المطعم بالمعادن والأحجار الكريمة وهو مزيج لعدد من الحرف والخبرات التقليدية يتناوب على انجاز القطعة منه عدد من الحرفيين كل منهم يضيف جزءا من مهارته وخبرته في عملية صقل فني لينتج لنا قطعا فنية فريدة، قبل أن يجري عرضها بمجمع الصناعة التقليدية بمدينة مراكش، حيث وقفت "كش24" عند بعض القطع الفخارية التي يجري تطعيمها بمعدن مثل النحاس أو الفضة والأحجار الكريمة مما يعطي قطعة الفخار بعدا فنيا وجماليا جديدا، ولايعرف زمن محدد أو شخص ابتكر هذا النوع من المزج بين المعدن والفخار والأحجار الكريمة ، فبعض الباحثين يرجعها الى زمن قديم وآخرون يعتبرونها جديدة على صناعة الفخار.