أجمع المشاركون في ندوة احتضنتها مدينة الصويرة اليوم الجمعة، على هامش مهرجان كناوة وموسيقى العالم، أن دخول قطاع الثقافة للمجال الرقمي أداة فعالة لنشر الإبداع الثقافي ووسيلة ناجعة للمحافظة على الإرث الحضاري والفني بكل أصنافه. وتمحور النقاش خلال هذا الندوة المنظمة بعنوان "الفنون الحية، النشر السينما، الموسيقى .. ماذا يتغير مع المجال الرقمي ؟"، حول ما قدمته "رقمنة الثقافة إلى غاية الساعة وإلى أي حد يمكن أن تفضي هذه المقاربة في ظل تزايد أعمال القرصنة"، وكذا تبعات المجانية التي تحيط بهذه الخطوة بعدما سيكون المنتوج الثقافي في هذه الحالة متاحا للأشخاص بشكل فوري ودون مقابل. وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيد إدريس اليزمي، إن المغرب يعتبر ثاني دولة إفريقية من حيث الولوج للانترنيت بمعدل 18 مليون شخص، وتساءل عما إذا كان للمنتوج الثقافي نصيب من هذه النسبة، وهل سمح لهم العالم الرقمي بالولوج إلى تاريخ المغرب ولتاريخ الثقافة المغربية للتعرف على مسرحيات وكتابات نثرية وشعرية تشكل جزء من تاريخ المغرب، مضيفا أن "الجواب هو لا حتما" ورجح هذا الأمر لعدم توفر الموارد أو ندرتها، وبذلك فالرقمنة تبقى الحل الأنسب. وقالت منتجة مهرجان كناوة موسيقى العالم، السيدة نايلة التازي العبدي، إن المهرجان حرص، منذ دورته الأولى، على إنشاء موقع إلكتروني تفاعلي لتبقى العادة على ذلك خلال كل الدورات، كما أن الدورة الحالية تعرض برنامج "كناوة لايف" على وسائل التواصل الاجتماعي لنقل المهرجان مباشرة بغاية تمكين من لم يستطع الحضور للمهرجان من الاستمتاع بهذا الفن، ما يزيد من شهرة المهرجان على المستوى العالمي، لكنها قالت في المقابل إن مسألة مجانية المهرجان أصبحت تطرح نفسها بقوة في الدورات الأخيرة للمهرجان. من جانبه قال المخرج نور الدين الخماري إن تاريخ المغرب وثقافته وذاكرته تلزم الالتجاء إلى العالم الرقمي للمحافظة على هذا الموروث الغني من أفلام خالدة وأعمال سينمائية وإبداعات أخرى حتى تتسنى للفئات الناشئة الاطلاع على هذا الجزء، وكذا لتمكين الباحثين والطلاب من القيام بدراسات في هذا الشأن لتطويره والتعريف به، "على الرغم من وجود بعض الأشخاص الذين سيستغلون هذا الأمر للقرصنة وأمور أخرى سيئة، لكن هذا الأمر يقع في كل الدول وهناك إجراءات تدبيرية لمواجهته"، مضيفا أن الرقمنة في المجال السينمائي خصوصا ستدفع بهذا القطاع إلى أبعد مدى. وفي نفس الاتجاه قالت نادية أوفريد، أستاذة وباحثة في المسرح الرقمي، والتي استعرضت مقاطع فيديو وصورا تبين استغلال العالم الرقمي في عروض الأزياء كمثال ومدى استجابة الجمهور مع هذه الفكرة المبتكرة، إن تقنية رقمنة العروض المسرحية تسمح بنقل هذا الفن عند المشاهد بشكل يجعله متفاعلا مع الزاوية الجديدة للديكور، وهي خطوة جديدة ومشجعة، مضيفة، من جهة أخرى، أن المشاهد يجد نفسه وحيدا أمام عرض مسرحي يقصي ميزة التواجد بين الحضور، ويبدل من فهم العرض المسرحي والأحاسيس التي يبعثها. وخلافا للمداخلات السابقة، اعتبر الكاتب محمد نضالي، التي تحفظ عن مسألة رقمنة الثقافة، نفسه من جيل المبدعين الذين يفضلون الكتابة بالقلم والورقة في مكان هادئ ومنعزل عوض استعمال الأدوات الإلكترونية والرقمية المبتكرة لهذا الغرض، مضيفا أن أغلب النصوص التي يصادفها على الانترنيت "تفتقد للجودة" حسب رأيه. ومنذ إحداثها سنة 2012 عززت فقرة منتدى حقوق الإنسان التي ينظمها مهرجان كناوة وموسيقى العالم، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، هذه التظاهرة الموسيقية بفضاء للنقاش بين مختلف المتدخلين، من المغرب والخارج، حول الإشكالات الراهنة التي يعيشها المجتمع، حيث يتطرق المنتدى هذه السنة لإشكاليات تهم، أساسا، فهم الروابط بين المجال الرقمي والثقافة. وتستمر فعاليات النسخة ال20 من مهرجان الصويرة موسيقى العالم، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة محمد السادس، إلى غاية فاتح يوليوز المقبل، بحضور أبرز معلمي كناوة على الساحة الوطنية وفنانين مشهورين من رواد الموسيقى العالمية بأبرز ساحات المدينة، إضافة إلى فقرات فنية وثقافية تنظم على هامش المهرجان احتفالا بعيد ميلاده العشرين.