العنوان: تعظيمُ قَدر النبيِّ صلى الله عليه وسلم [2/2]. المؤلف: الشيخ الدكتور محمد بن عبدالرحمن المغراوي -من علماء مراكش-. الأجزاء: رسالة في (177) صفحة، تضمَّنت مقدمةً، وسبعةَ فصول تحتها مباحث، وخاتمةً. تفصيلها كالتالي: تذكير: ذكرنا في الجزء الأول مضمون ما جاء في المقدمة وأربعة فصول وهي: فصل في امتنان الله على هذه الأمة ببعثة نبيه الكريم، فصل في وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فصل في وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فصل في وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، والآن مع تتمَّة الكتاب: فصل في وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم وقد افتتح الشيخُ هذا الفصل الماتع بقول العلامة المالكي القاضي عياض في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": "وأما وجوب طاعته؛ فإذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته، لأن ذلك مما أتى به، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ} وقال: {قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ} وقال: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} وقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقال: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّين وَالصِّدِّيقِين وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقاً}، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ}، فجَعَل تعالى طاعةَ رسوله طاعتَه، وقَرن طاعتَه بطاعته، ووَعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثالَ أمره، واجتنابَ نهيه". كما نقل الشيخُ من كتاب "الإبانة عن أصول الديانة" للإمام أبي الحسن الأشعري قولَ الإمام أحمد رحم الله الجميع: "نظرتُ في المصحف، فوجدتُ فيه طاعة رسول الله في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ثم بين الشيخُ حفظه الله أن الآيات في هذا الباب جاءت متنوِّعة، فتارةً بصيغة الأمر بالطاعة، وتارةً بصيغة النهي والتحذير من المخالفة، وتارةً بصيغة الترغيب، وأخرى بصيغة الترهيب. فجاء ترتيبها كالتالي: 1)- ما جاء من الآيات في الأمر بطاعة الرسول ومن الأدلة الكثيرة التي ساقها الشيخُ قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}. قال الحافظ المفسِّر ابن كثير: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبَّة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ". ولهذا قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله؛ فابتلاهم الله بهذه الاَية، فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}… ثم قال تعالى: {ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} أي: باتباعكم للرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته، ثم قال آمراً لكل أحد من خاص وعام: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا} أي: خالفوا عن أمره {فإن الله لا يحب الكافرين} فدلّ على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء بل المرسَلون بل أولو العزم منهم في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته". 2)- ما جاء من الآيات في التحذير من مخالفة النبي ومن بين الأدلة التي أوردها الشيخُ قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِين}. قال العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "طاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع اللهَ فقد أطاع الرسولَ، ومن أطاع الرسولَ فقد أطاع اللهَ. وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه، والانتهاء عما نهى اللهُ ورسولُه عنه كذلك. وهذا الأمر أعمُّ الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر وباطن. وقوله: {وَاحْذَرُوا} أي: من معصية الله ومعصية رسوله، فإن في ذلك الشر والخسران المبين. {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عما أُمرتم به ونُهيتم عنه. {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم، والرسول قد أدى ما عليه وما حمل به". 3)- ما جاء من الآيات المرغبة في الاتباع وبين فيه الشيخُ حفظه الله أن الله عز وجل ضمن لمتبعي نبيه الكريم فضائل عظيمة وخيرات عميمة، مستدلا بقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، وقوله: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}. وغيرها من الآيات الكريمات. 4)- ما جاء من الآيات المرهّبة من مخالفة السنة وهي كثيرة؛ أكتفي بقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}. قال العلامة القنوجي في تفسيره "فتح البيان": "أي: ضلَّ عن طريق الحق ضلالاً ظاهراً واضحاً لا يخفى. فإن كان العصيانُ عصيانَ ردّ وامتناع عن القبول فهو ضلال وكفر، وإن كان عصيانَ فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب، فهو ضلال خطأ وفسق". ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمَّتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: "مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى" البخاري. فصل في ذكر ما تعرّض له النبي صلى الله عليه وسلم من الإذاية في حياته وتحته العناوين التالية: 1)- إذاية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن صوره: وصفهم النبي بالمجنون، وصفهم النبي بالشاعر، وصفهم النبي بالساحر والكاهن والكاذب، شتمهم للنبي ونيلهم منه، استهزاؤهم بالنبي، إذايتهم للنبي في جسده. 2)- إذاية عبد الله بن سلول للنبي وأضرابه من المنافقين. 3)- إذاية اليهود للنبي. فصل في كفر من آذى النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة والبراهين الكثيرة التي ساقها الشيخُ تحت هذا الفصل الفاصل قول الله عز وجل: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ۚ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ۚ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فعلم أن إيذاء رسول الله محادّة لله ولرسوله، لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادّة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً، إذ أمكن أن يقال: إنه ليس بمحادٍّ، ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادّة كفر، لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها، ولم يقل: هي جزاؤه، وبين الكلامَيْن فرقٌ، بل المحادّة هي المعاداة والمشاقّة، وذلك كفر ومحاربة، فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافراً، عدوّاً لله ورسوله، محارباً لله ورسوله" (الصارم المسلول على شاتم الرسول؛ ص:320). الخاتمة وقد بين فيها الشيخُ حفظه الله أن أهل الكفر وملله لا يغيرون شكلهم ولا لونهم ولا طريقتهم في إظهار وإضمار الحقد للإسلام ونبي الإسلام، وإن رفعوا شعارات تسامح وتقارب الأديان. يقول الشيخ حفظه الله: "فمن درس الاستشراق وتاريخه وأصوله وفروعه؛ علم حقد هؤلاء الدفين الذي لا يكاد ينتهي، فقد بذلوا الجهد في تعلم اللغة العربية وإتقانها، لا لحبها ولكن لأنها وعاء الإسلام، ليتمكنوا من التشكيك في أصوله وثوابته، وتحريف تراثه ومصنفاته، ودسّ الدسائس في دواوينه ومؤلفاته، وتجميع الشبه حول علمائه وأعلامه. وما يزال هذا الجهاز الخبيث -أعني الاستشراق- يمضي في رسم وتنفيذ خططه؛ نيلاً من هذا الدين العظيم، حتى تأثر به كثير من أبناء المسلمين، فحملوا ألوية الحرب والتشكيك في القرآن والسنة، ومصنفات الفقه والتفسير، واللغة العربية وتاريخ الأمة". وذكر الشيخ جهاز التنصير وبين أسلوبه الماكر في نشر عقيدة التثليث، ثم نصح المسلمين بالرجوع لكتاب ربهم وسنة نبيهم، والاعتصام بهما، والذّبّ عنهما. اه بارك الله في جهود الشيخ الدكتور المغراوي، ونفع به الإسلام والمسلمين…