عاجل.. عبد الإله بنكيران يفوز بمنصب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية    طنجة تحتضن اجتماع المجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي استعدادًا للمؤتمر المقبل    الرئيس الفرنسي يشيد بإعطاء جلالة الملك انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة القنيطرة- مراكش    الحسين رحيمي يثير اهتمام أندية عربية مع اقتراب نهاية عقده مع الرجاء    وفد اقتصادي مغربي من جهة سوس يزور الأندلس غدا الاثنين لتعزيز الشراكة المغربية الإسبانية    أنشيلوتي : قدمنا كل شيء أمام برشلونة ولا لوم على اللاعبين    المحمدية .. هذه حقيقة فيديو الهجوم على حافلة النقل الحضري    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    البيجيدي يتجه نحو تصويت كاسح على بنكيران وانتخابه على رأس المصباح    الفدرالية البيمهنية لأنشطة الحبوب وتكامل الفلاح: شراكة استراتيجية من أجل تجميع رقمي يعزز الإنتاجية والربحية    ماراطون الرباط الدولي 2025.. فوز العداءين الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهيري بلقب الدورة الثامنة    استطلاع.. معظم الإسرائيليين يريدون إنهاء حرب غزة    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الأحد    إصابات متفاوتة لأعضاء فريق حسنية جرسيف للدراجات في حادثة سير    استثمارات عقارية متزايدة لشقيقات الملك محمد السادس في فرنسا    إسبانيا.. توقيف مغربيين حاولا تهريب 50 ألف يورو إلى جبل طارق    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    فرنسا.. مقتل مصل طعنا داخل مسجد    الصين تخطو بثبات نحو الاستقلال التكنولوجي: تصنيع شرائح 3 نانومتر دون الاعتماد على معدات غربية    ماراطون الرباط الدولي: الأوغندي أبيل شيلانغات يتوج باللقب والمغربي عمر أيت شيتاشن بنصفه    الجزائر.. انهيار أرضي يودي بحياة عدة أشخاص    انفجار مرفأ في إيران يودي بعشرات القتلى    9 صحفيين يحصدون الجائزة الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الرباط: تتويج التلاميذ الفائزين بالدورة السادسة لجائزة 'ألوان القدس'    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    هذا موعد والقنوات الناقلة لمباراة نهضة بركان وشباب قسنطينة    18 قتيلا على الأقل و800 جريح في حصيلة جديدة لانفجار المرفأ في إيران    اليوم يتعرف "البيجيديون" على أمينهم العام الجديد وسط غياب بارز للرؤية السياسية المستقبلية    تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم    الجزائر في مواجهة مرآة الحقيقة: أكاذيب الداخل والخارج    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد قرار قطع المياه    كندا.. قتلى وجرحى إثر دهس سيارة لحشود في مهرجان بفانكوفر    "العدل" تستعدّ لإصدار نصّ تنظيمي بشأن تطبيق قانون العقوبات البديلة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    احتجاج أمام "أفانتي" في المحمدية    جلسة حوارية "ناعمة" تتصفح كتاب "الحرية النسائية" للمؤرخ بوتشيش    فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد تشغيبات القبوري المفتري
نشر في هوية بريس يوم 12 - 08 - 2017


هوية بريس – الحسين بن أحمد بختي
وقع بيدي منشور يدعو إلى الشرك الصريح، بدأه كاتبه بقوله: *مدد.. مدد.. يا رسول الله… مدد*
وهذا المنشور عبارة عن مجموعة من الشبهات والتشغيبات، يقصد صاحبها بها إثبات جواز الدعاء والاستغاثة والاستعانة بغير الله.
بدأ صاحبه بطرح أسئلة تمهيدية ليصل بها إلى عرض ما يريده من دعوة إلى الشرك والزيغ، فقال:
من المنعم بالنعم؟
من الذي يتوفى الأنفس؟
من الذي يهب الولد؟
من الذي يُدْخِلُ الجنة؟
من الذي يغفر الذنوب؟
قال: الله عز وجل طبعا.
قلت: فإن طلبت هذه الأفعال من مخلوق أو ادعاها مخلوق أهو شرك؟
قال: هو عين الشرك.
قلت: ماذا تقول في قوله تعالى حكاية عن الملك: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} والملَكُ هنا هو الذي وهب..
وفي قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْت..}. فالذي يتوفى الأنفس هنا ملك الموت.. إلى غير ذلك من التشغيبات الباطلة التي سأردها بقذائف الحق المبين -إن شاء الله رب العالمين-.
لقد اعتمد هذا المبطل على توظيف النصوص في غير محلها، والتحكم في معانيها لتوافق أباطيله وافتراءاته.. ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (مريم: 19). قال بعد سوق الآية: (والملك هنا هو الذي وهب).
أقول:
لقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (مريم: 19) على قولين:
– ففي قول: لأكون سببا في هبة الغلام.
– وفي قول: حكاية منه لقول الله جل وعلا.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان:
"قرأ هذا الحرف أبو عمرو وورش عن نافع وقالون عنه أيضا بخلف عنه "ليهب" بالياء المفتوحة بعد اللام أي: ليهب لك هو، أي ربك "غلاما زكيا" وقرأ الباقون "لأهب" بهمزة المتكلم، أي: لأهب لك أنا أيها الرسول من ربك غلاما زكيا، وفي معنى إسناده الهبة إلى نفسه على قراءة الجمهور خلاف معروف بين العلماء، وأظهر الأقوال في ذلك عندي: أن المراد بقول جبريل لها؛ {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}، أي: لأكون سببا في هبة الغلام". انتهى.
وليس في الآية دليل على ما يدعي هذا الدعي من جواز الاستغاثة ودعاء غير الله. وإلا فهل قادت سفسطة هذا الدعي أحدا من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المعتبرين إلى ما ذهب إليه من جواز طلب المدد والغوث والعون من غير الله؟
وهل نزل هذا الملك استجابة لدعاء مريم له؟
وأين هذا الادعاء من كلام رب العالمين:
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (النمل: 62).
وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (الإسراء: 56).
أي: إن هذه المعبودات التي تنادونها لكشف الضرِّ عنكم لا تملك ذلك، ولا تقدر على تحويل المقادير من حال إلى حال، فالقادر على ذلك هو الله وحده. وهذه الآية عامة في كل ما يُدْعى من دون الله، ميتًا كان أو غائبًا، من الأنبياء والصالحين وغيرهم، بلفظ الاستغاثة أو الدعاء أو طلب المدد، فلا يقدر على ذلك إلا الله.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (الأحقاف: 5).
أي: لا أحد أضلُّ وأجهل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب دعاءه أبدًا من الأموات أو الأحجار أوالأشجار ونحوها، وهي غافلة عن دعاء مَن يعبدها، عاجزة عن نفعه أو ضره.
وقال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (يونس: 31).
ونحن نقول لك ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لقومه:
"مَن يرزقكم من السماء، بما يُنزله من المطر، ومن الأرض بما ينبته فيها من أنواع النبات والشجر، تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟
ومَن يملك ما تتمتعون به أنتم وغيركم من حواسِّ السمع والأبصار؟
ومن ذا الذي يملك الحياة والموت في الكون كلِّه، فيخرج الأحياء والأموات بعضها من بعض فيما تعرفون من المخلوقات، وفيما لا تعرفون؟
ومَن يدبِّر أمر السماء والأرض وما فيهن، ويدبِّر أمركم وأمر الخليقة جميعًا؟
فإن كان جوابكم مطابقا لجواب أسلافكم من المشركين؛ بأن الذي يفعل ذلك كله هو الله؛ فنقول لكم: أفلا تخافون عقاب الله إن عبدتم معه غيره بالدعاء والاستغاثة والاستعانة؟
وإن كان جوابكم مخالفا لجواب أسلافكم من المشركين، وأن مع الله من يدبر الأمر؛ فاعلموا أن أمركم أشد وأنكى من المشركين الأوائل.
والمطلع على عقائد الصوفية يرى بجلاء أنهم فعلا يقولون بالشركاء في التدبير.. وخصوصا عقيدة الأقطاب والأغواث والأوتاد والأبدال والأنجاب..
*******************
قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن النعمان بن بشير، وصححه الترمذي، وكذا صححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود: 1329).
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن أعرابيا قال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني؛ فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده، القرب اللائق بجلاله.
ومما لبس به هذا المشغب بعد سوقه لقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة:11). قال: فالذي يتوفى الأنفس هنا ملك الموت..
أقول: يقصد هذا المفتري أن ملك الموت يملك القدرة على الإماتة..
أقول:
وأما قوله تعالى: {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}؛ فإن {وُكِّلَ} فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.. وهو الله، أي: إن الله وكله بقبض الأرواح.. فهل أخبر الله هذا المشغب أنه وكل أوثانه بقضاء الحوائج؟!! سبحانك، هذا بهتان عظيم..
وأما استدلاله بقول الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ.. }. (الأحزاب:37).
فقد أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعم عليه بالعتق..
والإنعام من الله شيء، ومن الخلق شيء آخر.. وهو كالعطاء، فالله يعطي ويمنع، ومن أسمائه المعطي، المانع.. والعبد كذلك قد يعطي ويمنع، وليس العطاء كالعطاء، ولا المنع كالمنع.. بل كل بحسبه..
وأما تشغيبه بقول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك مرافقتك في الجنة)؛ فمن أشد تشغيباته في هذا الموضوع.. إذ ظاهره أن الرجل سأل النبي أن يدخله الجنة.. وهذا تدليس واضح، إذ أن الرجل سأله صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة بالعمل الصالح الذي يؤدي إلى هذا الخير، فالمعنى: أسألك مرافقتك في الجنة بإرشادي إلى أسباب ذلك، أو بالدعاء لي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك ذلك إلا بإرشاد الشخص إلى الأعمال الصالحة الموجبة للجنة أو بدعاء الله له، وهذا ما حصل منه عليه الصلاة والسلام، فإنه دله على سبب موجب لمرافقته في الجنة.
ولقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس بأن أمور العباد وحاجاتهم إنما هي بيد ربهم، فقال: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} (الأعراف: 188). {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (الجن: 21). فهو عليه الصلاة والسلام لا يملك ضر أحدٍ ولا رشده ولا هدايته، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (القصص: 56). وقال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (البقرة: 272).
فالمعنى: أسألك أن ترشدني إلى الأسباب التي تجعلني رفيقاً لك في الجنة؛ ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعنى على نفسك بكثرة السجود) يعني بكثرة الصلوات التي تجعله أهلاً لأن يكون رفيقاً له في الجنة، وليس في هذا حجة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يملك إدخال أحد الجنة أو منعه من ذلك.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ – أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف؛ٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِب؛ِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ؛ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ؛ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا". رواه البخاري (2753) ومسلم (206).
***************
والخطاب القرآني صرح بهذا فقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (القصص: 56). ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على هداية عمه أبي طالب حين مرضه، ودعاه إلى أن يقول لا إله إلا الله فأبى أبو طالب ومات على دين قومه، ولم يستطع هدايته.
ثم قال:
وقول عمرو بن العاص رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أشترط أن تَغْفِرَ لِي ما أوضعت عن صد عن سبيل الله) رواه أحمد.. وطلبه هنا أن يغفر له النبي صلى الله عليه وسلم.. أهذا شرك؟؟.. طبعا لا..
أقول:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بالتاء أي أنت (تَغْفِرَ لِي) ورواه الإمام مسلم في بَاب كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ بلفظ: (أن يُغْفَرَ لِي) بصيغة البناء لما لم يسم فاعله.. ولا شك أن رواية مسلم أوثق من رواية أحمد، ومع اختلاف الروايتين؛ فلا منافاة بينهما.. إذ لا مانع من طلب المغفرة من الخالق ومن المخلوق، ولكن كل بحسبه كما أسلفت.
ومما ورد في نسبة المغفرة المخلوق قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الجاثية: 14).
والمعنى: قل -أيها الرسول- للذين صدَّقوا بالله واتَّبَعوا رسله يعفوا، ويتجاوزوا عن الذين لا يرجون ثواب الله، ولا يخافون بأسه إذا هم نالوا الذين آمنوا بالأذى والمكروه؛ ليجزي الله هؤلاء المشركين بما كانوا يكسبون في الدنيا من الآثام وإيذاء المؤمنين.
وليت شعري، أي محبة وأي تعظيم لله في قلوب الصوفية وهم يصرفون الناس عن التعلق بالله إلى التعلق بالمخلوق.. وقد ورد عن عبدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أما هؤلاء فإنهم يعلقون أتباعهم بالمخلوقين..
يقول البصيري في بردته:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ¤ سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ¤ إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها ¤ ومن علومك علم اللّوح والقلم
ويقول:
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي ¤ فضلا، وإلّا فقل يا زلّة القدم
ولعمرو الله هل يجتمع في قلب عبد مؤمن التصديق بهذه الأبيات، والتصديق بقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} (الإنفطار: 19)؟!!.
وما أعظم يوم الحساب، وما أعظم ذلك اليوم الذي لا يقدر فيه أحد على نفع أحد، والأمر في ذلك اليوم لله وحده الذي لا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، ولا ينازعه أحد.
نسأل الله السلامة من الشرك وأهله، ونسأله سبحانه أن يثبت قلوبنا على التوحيد الخالص، فلا يقدر على ذلك إلا هو.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.