السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد تشغيبات القبوري المفتري
نشر في هوية بريس يوم 12 - 08 - 2017


هوية بريس – الحسين بن أحمد بختي
وقع بيدي منشور يدعو إلى الشرك الصريح، بدأه كاتبه بقوله: *مدد.. مدد.. يا رسول الله… مدد*
وهذا المنشور عبارة عن مجموعة من الشبهات والتشغيبات، يقصد صاحبها بها إثبات جواز الدعاء والاستغاثة والاستعانة بغير الله.
بدأ صاحبه بطرح أسئلة تمهيدية ليصل بها إلى عرض ما يريده من دعوة إلى الشرك والزيغ، فقال:
من المنعم بالنعم؟
من الذي يتوفى الأنفس؟
من الذي يهب الولد؟
من الذي يُدْخِلُ الجنة؟
من الذي يغفر الذنوب؟
قال: الله عز وجل طبعا.
قلت: فإن طلبت هذه الأفعال من مخلوق أو ادعاها مخلوق أهو شرك؟
قال: هو عين الشرك.
قلت: ماذا تقول في قوله تعالى حكاية عن الملك: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} والملَكُ هنا هو الذي وهب..
وفي قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْت..}. فالذي يتوفى الأنفس هنا ملك الموت.. إلى غير ذلك من التشغيبات الباطلة التي سأردها بقذائف الحق المبين -إن شاء الله رب العالمين-.
لقد اعتمد هذا المبطل على توظيف النصوص في غير محلها، والتحكم في معانيها لتوافق أباطيله وافتراءاته.. ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (مريم: 19). قال بعد سوق الآية: (والملك هنا هو الذي وهب).
أقول:
لقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (مريم: 19) على قولين:
– ففي قول: لأكون سببا في هبة الغلام.
– وفي قول: حكاية منه لقول الله جل وعلا.
قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان:
"قرأ هذا الحرف أبو عمرو وورش عن نافع وقالون عنه أيضا بخلف عنه "ليهب" بالياء المفتوحة بعد اللام أي: ليهب لك هو، أي ربك "غلاما زكيا" وقرأ الباقون "لأهب" بهمزة المتكلم، أي: لأهب لك أنا أيها الرسول من ربك غلاما زكيا، وفي معنى إسناده الهبة إلى نفسه على قراءة الجمهور خلاف معروف بين العلماء، وأظهر الأقوال في ذلك عندي: أن المراد بقول جبريل لها؛ {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}، أي: لأكون سببا في هبة الغلام". انتهى.
وليس في الآية دليل على ما يدعي هذا الدعي من جواز الاستغاثة ودعاء غير الله. وإلا فهل قادت سفسطة هذا الدعي أحدا من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المعتبرين إلى ما ذهب إليه من جواز طلب المدد والغوث والعون من غير الله؟
وهل نزل هذا الملك استجابة لدعاء مريم له؟
وأين هذا الادعاء من كلام رب العالمين:
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (النمل: 62).
وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} (الإسراء: 56).
أي: إن هذه المعبودات التي تنادونها لكشف الضرِّ عنكم لا تملك ذلك، ولا تقدر على تحويل المقادير من حال إلى حال، فالقادر على ذلك هو الله وحده. وهذه الآية عامة في كل ما يُدْعى من دون الله، ميتًا كان أو غائبًا، من الأنبياء والصالحين وغيرهم، بلفظ الاستغاثة أو الدعاء أو طلب المدد، فلا يقدر على ذلك إلا الله.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (الأحقاف: 5).
أي: لا أحد أضلُّ وأجهل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب دعاءه أبدًا من الأموات أو الأحجار أوالأشجار ونحوها، وهي غافلة عن دعاء مَن يعبدها، عاجزة عن نفعه أو ضره.
وقال سبحانه: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (يونس: 31).
ونحن نقول لك ما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لقومه:
"مَن يرزقكم من السماء، بما يُنزله من المطر، ومن الأرض بما ينبته فيها من أنواع النبات والشجر، تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟
ومَن يملك ما تتمتعون به أنتم وغيركم من حواسِّ السمع والأبصار؟
ومن ذا الذي يملك الحياة والموت في الكون كلِّه، فيخرج الأحياء والأموات بعضها من بعض فيما تعرفون من المخلوقات، وفيما لا تعرفون؟
ومَن يدبِّر أمر السماء والأرض وما فيهن، ويدبِّر أمركم وأمر الخليقة جميعًا؟
فإن كان جوابكم مطابقا لجواب أسلافكم من المشركين؛ بأن الذي يفعل ذلك كله هو الله؛ فنقول لكم: أفلا تخافون عقاب الله إن عبدتم معه غيره بالدعاء والاستغاثة والاستعانة؟
وإن كان جوابكم مخالفا لجواب أسلافكم من المشركين، وأن مع الله من يدبر الأمر؛ فاعلموا أن أمركم أشد وأنكى من المشركين الأوائل.
والمطلع على عقائد الصوفية يرى بجلاء أنهم فعلا يقولون بالشركاء في التدبير.. وخصوصا عقيدة الأقطاب والأغواث والأوتاد والأبدال والأنجاب..
*******************
قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدعاء هو العبادة"، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن النعمان بن بشير، وصححه الترمذي، وكذا صححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود: 1329).
وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن أعرابيا قال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان}.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وإذا سألك -أيها النبي- عبادي عني؛ فقل لهم: إني قريب منهم، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني، فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه، وليؤمنوا بي، لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم. وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده، القرب اللائق بجلاله.
ومما لبس به هذا المشغب بعد سوقه لقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة:11). قال: فالذي يتوفى الأنفس هنا ملك الموت..
أقول: يقصد هذا المفتري أن ملك الموت يملك القدرة على الإماتة..
أقول:
وأما قوله تعالى: {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}؛ فإن {وُكِّلَ} فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.. وهو الله، أي: إن الله وكله بقبض الأرواح.. فهل أخبر الله هذا المشغب أنه وكل أوثانه بقضاء الحوائج؟!! سبحانك، هذا بهتان عظيم..
وأما استدلاله بقول الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ.. }. (الأحزاب:37).
فقد أنعم الله عليه بالإسلام -وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبنَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم- وأنعم عليه بالعتق..
والإنعام من الله شيء، ومن الخلق شيء آخر.. وهو كالعطاء، فالله يعطي ويمنع، ومن أسمائه المعطي، المانع.. والعبد كذلك قد يعطي ويمنع، وليس العطاء كالعطاء، ولا المنع كالمنع.. بل كل بحسبه..
وأما تشغيبه بقول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم: (أسألك مرافقتك في الجنة)؛ فمن أشد تشغيباته في هذا الموضوع.. إذ ظاهره أن الرجل سأل النبي أن يدخله الجنة.. وهذا تدليس واضح، إذ أن الرجل سأله صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة بالعمل الصالح الذي يؤدي إلى هذا الخير، فالمعنى: أسألك مرافقتك في الجنة بإرشادي إلى أسباب ذلك، أو بالدعاء لي، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك ذلك إلا بإرشاد الشخص إلى الأعمال الصالحة الموجبة للجنة أو بدعاء الله له، وهذا ما حصل منه عليه الصلاة والسلام، فإنه دله على سبب موجب لمرافقته في الجنة.
ولقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس بأن أمور العباد وحاجاتهم إنما هي بيد ربهم، فقال: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} (الأعراف: 188). {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (الجن: 21). فهو عليه الصلاة والسلام لا يملك ضر أحدٍ ولا رشده ولا هدايته، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (القصص: 56). وقال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (البقرة: 272).
فالمعنى: أسألك أن ترشدني إلى الأسباب التي تجعلني رفيقاً لك في الجنة؛ ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أعنى على نفسك بكثرة السجود) يعني بكثرة الصلوات التي تجعله أهلاً لأن يكون رفيقاً له في الجنة، وليس في هذا حجة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يملك إدخال أحد الجنة أو منعه من ذلك.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ – أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا – اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف؛ٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِب؛ِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ؛ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ؛ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا". رواه البخاري (2753) ومسلم (206).
***************
والخطاب القرآني صرح بهذا فقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} (القصص: 56). ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على هداية عمه أبي طالب حين مرضه، ودعاه إلى أن يقول لا إله إلا الله فأبى أبو طالب ومات على دين قومه، ولم يستطع هدايته.
ثم قال:
وقول عمرو بن العاص رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (أشترط أن تَغْفِرَ لِي ما أوضعت عن صد عن سبيل الله) رواه أحمد.. وطلبه هنا أن يغفر له النبي صلى الله عليه وسلم.. أهذا شرك؟؟.. طبعا لا..
أقول:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بالتاء أي أنت (تَغْفِرَ لِي) ورواه الإمام مسلم في بَاب كَوْنِ الْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَكَذَا الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ بلفظ: (أن يُغْفَرَ لِي) بصيغة البناء لما لم يسم فاعله.. ولا شك أن رواية مسلم أوثق من رواية أحمد، ومع اختلاف الروايتين؛ فلا منافاة بينهما.. إذ لا مانع من طلب المغفرة من الخالق ومن المخلوق، ولكن كل بحسبه كما أسلفت.
ومما ورد في نسبة المغفرة المخلوق قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الجاثية: 14).
والمعنى: قل -أيها الرسول- للذين صدَّقوا بالله واتَّبَعوا رسله يعفوا، ويتجاوزوا عن الذين لا يرجون ثواب الله، ولا يخافون بأسه إذا هم نالوا الذين آمنوا بالأذى والمكروه؛ ليجزي الله هؤلاء المشركين بما كانوا يكسبون في الدنيا من الآثام وإيذاء المؤمنين.
وليت شعري، أي محبة وأي تعظيم لله في قلوب الصوفية وهم يصرفون الناس عن التعلق بالله إلى التعلق بالمخلوق.. وقد ورد عن عبدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أما هؤلاء فإنهم يعلقون أتباعهم بالمخلوقين..
يقول البصيري في بردته:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ¤ سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ¤ إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها ¤ ومن علومك علم اللّوح والقلم
ويقول:
إن لم يكن في معادي آخذا بيدي ¤ فضلا، وإلّا فقل يا زلّة القدم
ولعمرو الله هل يجتمع في قلب عبد مؤمن التصديق بهذه الأبيات، والتصديق بقول الله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ} (الإنفطار: 19)؟!!.
وما أعظم يوم الحساب، وما أعظم ذلك اليوم الذي لا يقدر فيه أحد على نفع أحد، والأمر في ذلك اليوم لله وحده الذي لا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، ولا ينازعه أحد.
نسأل الله السلامة من الشرك وأهله، ونسأله سبحانه أن يثبت قلوبنا على التوحيد الخالص، فلا يقدر على ذلك إلا هو.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.