آهات وصراخ.. أشلاء هنا وهناك.. دماء وجراح.. فزع وصفارات إنذار.. مدفعيات نحيب ونياح.. ظلام دامس في رابعة النهار.. سحاب ورعود.. لا ينتظر بعدها أمطار الشتاء بل مدافع ودماء وأشلاء.. ألتفت يمينا فأغمض عيني من هول المنظر.. أنظر شمالا.. فتدمع عيني من بشاعة ما لاح للبصر. أهي أهوال يوم القيامة؟ أم جحيم قد سبق سكرات الموت؟.. فواعجبا! من شيخ وقور.. علت محياه تجاعيد كأنها سطور خطها الزمن ليحكي قصص السنوات الخوالي.. شيب حل محل السواد.. ينبيك عن تعاقب الليالي.. دموع.. دليل على نفاد صبر.. وهمهمات.. دليل يقين.. وجمجمات صلوات.. برهان ثبات.. حملني الفضول للاقتراب منه.. يا عم! انج بنفسك.. فأجاب في ثبات ورزانة: أنتظر انجلاء الغبار لأستيقن المركوب أفرس هو أم حمار.. فأما التهور فيحسنه كل أحد. فلم أجد بدا من مفارقته، فآنسته بل آنسني، والدماء تطوف بنا.. يا عم! أين الربيع العربي الذي وعدنا؟ والشعارات التي رفعنا؟ والحقوق التي حُدِّثنا؟ فأجاب بابتسامة المتهكم: تحول الربيع المشرق إلى صيف محرق، والشعارات إلى سعرات، والحقوق إلى العقوق.. يا بني! مخطئ من ظن يوما أن في الربيع العربي سلما، بدايته شرارة، ونهايته مصير مجهول.. قالوا مطالبنا مشروعة، لكن أفعالهم ممنوعة، تجارتهم الدماء، وزمام عقولهم بيد الغرباء. إنه الربيع العربي! فرجة في غير هوليود، ومسلسلات دامية بطلها مفقود، والشر في نواصي مدبريها معقود، لا للفقر لا للفساد، نعم للدمار والركود.. الشغب يزيد إفساد النظام.. أهي حرية وكرامة.. أم جريمة تجر ذيول الندامة؟ أعيتهم الفرجة فآثروا أن يكونوا هم الفرجة؟ فقلت: يا عم! متى يرجع الربيع في موكبه البهي ..رقة وجمالا، تغمر السهول والتلال، تغرد طيوره، وتبتسم زهوره، وتفوح عطوره، ويسطع نوره، ليطوي بيده الحانية وجه الشتاء القاتم في سطوته وقسوته، فترجع الطيور إلى أوكارها والأم إلى صغارها، وتهدى وروده للحبيب، ويأنس البعيد بالقريب، ويستمع الكبير للصغير، وتعطى اللقمة للفقير، وتجبر يد الكسير، وتكبح جماح الغاشم الحقير؟ فأجاب الشيخ الوقور: أسلحة الدمار الشامل بالعراق.. والربيع العربي ثوب نسج بخيوط الكذب، فمتى بان للشعب هذا الخيط زال عنه هذا الخبط، والباء والياء صورة واحدة، وعند الحاجة ويتبين الفرق.