هوية بريس – نبيل غزال ما وقع بمسجد يوسف ابن تاشفين بفاس حدثٌ ليس كسابقيه، ذلك أنه شكل استثناء في طريقة رد فعل المواطنين اتجاه قرارات السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. فطالما أثارت قرارات الإقالة التعسفية، لخطباء بارزين يحظون بقبول وشعبية كبيرة داخل مدنهم وخارجها، حفيظة المصلين، وعبروا عن سخطهم عبر مقاطع مرئية وصوتية، وعبر المقالة والتعليق في مواقع التواصل الاجتماعية والجرائد الإلكترونية، لكن ما وقع بحي الأطلس وبالعاصمة العلمية بالذات، حدث ليس كسابقين وستكون له تبعات أخرى. فبيوت الله بنيت لعمارتها بالصلاة والذكر، ونهي عن رفع الصوت فيها، لكن درجة الاحتقان التي يعاني منها المواطنون اتجاه سياسة الوزارة فيما يسمى بهيكلة الحقل الديني دفعتهم إلى التعبير عن رفضهم إقالة الخطيب والفقيه محمد أبياط بالطريقة التعسفية والمهينة التي تمت بها. الطفرة التي عرفها مسلسل مقاومة خطة وزير الأوقاف تتمثل في أن ما وقع بفاس من المحتمل أن يصير نموذجا يحتذي به في مدن أخرى، ويفتح الباب أمام الناس على أنواع جديدة من الاحتجاج والتعبير عن السخط والغضب، فمن الراجح أن كل خطيب سيتم عزله مستقبلا سينتفض الناس بنفس الطريقة التي وقعت بمسجد يوسف بن تاشفين وربما بأشد منها. فكم حذر المختصون والنقاد من سياسة إسقاط الخطباء الذين يبذلون جهدا كبيرا؛ ويعملون حسب الإمكانات الضعيفة المتاحة لهم لمعالجة واقعهم انطلاقا مما أوجبه عليهم دينهم.. وكم حذروا من تهميش العلماء وإذلال حملة كتاب الله تعالى من طرف الجهلة بعلم الشريعة؛ أو ممن لا علاقة لهم بعلم الشريعة أصلا.. وكم حذروا من خطر إهدار جهود سنوات من الدعوة والعمل بجرة قلم.. وكم حذروا من سياسة النعامة وتكميم الأفواه وتحييد المنبر عن النقاشات المجتمعية.. وكم حذروا من سياسة الكيل بمكيالين بمنع الخطباء من الحديث في السياسة مرة، وإلزامهم بالخوض فيها مرات أخرى.. وكم حذروا من خطر الالتفات إلى تحريشات العلمانيين وافتراءاتهم ومغبة تنزيل مطالبهم.. لكن ورغم كل ما كتب وقيل، ورغم المعارضة الكبيرة والشديدة لسياسة السيد الوزير، سواء من طرف العاملين داخل الحقل الديني بتشكيله الجديد، أو ممن ينشط خارجه، فقد ظل الوزير متعصبا لأفكاره، منغلقا على تصوره في التدبير، مغلقا أذنيه عن سماع صوتٍ معارض لما يرى ويقرِّر، علما أنه أكد في غير ما مناسبة أن الإنسان يجب عليه أن ينصت لغيره وينفتح على الآخر، ويتصف بقيم الأخوة والمحبة والسماحة حتى مع غير المسلمين وغير الكتابيين أيضا.. لا شك أن ملف تدبير الشأن الديني بالطريقة التي يتم بها اليوم يُفقد وزارة التوفيق المصداقية، ويزيد من حالة النفور بين العلماء والوعاظ والمرشدين من جهة؛ وبين من يصدرون القرارات من داخل الغرف المكيفة من جهة أخرى، ويجعل المواطنين لا يعولون على المؤسسات الرسمية -والتي باتت بالمناسبة تنحاز لطرح معين بشكل سافر ومفضوح- في تأطيرهم وتوجيههم وخدمة قضاياهم، ما سيدفعهم، إشباعا لرغبة التدين، للبحث عن علماء ودعاة على الشابكة (الإنترنت) أو القنوات الفضائية من خارج أرض الوطن، وهنا سيضيع حتما مشروع (الإسلام المغربي) الذي يدافع عنه السيد الوزير بقوة! فخلال الحفل الذي أقيم تخليدا ليوم المساجد بمسرح محمد الخامس بالرباط، يوم الأربعاء 25 ربيع الأول 1437 موافق 06 يناير 2016، قال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في كلمته بالحرف: "فهذه المساجد التي يبنيها المحسنون رضي الله عنهم والمحسنات هي مدارس للحرية وهي مدارس للسلام". ونحن نسائل السيد التوفيق أين هي مدارس الحرية التي يتحدث عنها إذا كان الخطيب والعالم يعزل لمجرد صدعه بالمتفق عليه في الدين؟ أين تتجلى الحرية إذا كان الخطباء يمنعون وتصادر حريتهم لمجرد إبداء رأيهم بخصوص نازلة معينة؟ أين الحرية إذا كان العلمانيون يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصفون رسائله بالإرهابية والأحكام التي جاء بها بالداعشية والمتطرفة، ويمنع بالمقابل العلماء من النبس ببنت شفة مقابل هذا الهجوم الذي يستهدف الإسلام بشكل علني وواضح؟ إن المنبر ليس وظيفة حكومية ولا إدارية بل أمانة ومسؤولية؛ والخطيب لا يؤدي دوره ولا تكتمل مهمته إلا إذا كانت خطبته تعالج واقع الناس بالشرع في إطار المسؤولية التي قلد الله تعالى بها العلماء والمبلغين عن رب العالمين.. فلا يمكن لكل قرارات الدنيا برمتها ولا لسياسة التحكم أن تمنع الخطيب المؤمن برسالته من أداء دوره الشرعي والرسالي والحضاري.. وهذا ما يفسر لماذا جهر الخطباء المعزولون بالحق رغم التهديد بالعزل وسياسة التضييق والإكراه.. [email protected]