مع أول أيام التشريق المباركة ونحن نتابع الحجيج بكل غبطةٍ و وَلَهٍ و اشتياق … -1- جاءتني الآنَ رسالة لطيفة من بعض الفضلاء منسوب ما فيها للفظ شيخنا العلامة مولاي مصطفى البحياوي نفع الله به؛ وأنا وإن لم أسمعها منه ؛ غير أنَّ كلام فضيلته لا يخفى عليَّ وقد ترعرعت بين يديه صبياًّ ؛ فما أُراها إلا من كلامه و نصها كالآتي: (("إن نظرة في الشعار المسموع عند الحاج و هو لبيك ؛ و الشعار الموضوع عليه ازارا و رداءا و نعلين؛ يدل على ما بينهما- اي الشعار المرفوع صوتا و الموضوع على جسدك- على ما بينهما من ترابط بل تلاحم و تلائم و تضام.. فالتلبية تردية (من الرداء) و التردية تلبية.. فلباس الاحرام في بساطته قماش و ازار و نعلين يوحي بمعاني و قيم عليا: التواضع الانكسار التدلل الخضوع طرح كل مظاهر الاستكبار وفي بياضه و نصاعته تقرأ معاني الصفاء و الخلوص و السلام و النقاء من كل شوب مكذر و ظلام كأن فيه اشعار بأنه بمثل هذا الصفاء تجتمع و تلتقي قلوبنا و يجي شعار التلبية ليجلي امر في غاية التجلية لبيك اللهم لبيك لحن ملائكي و فيه معنى اعلان كمال العبودية و الاستسلام عن حب و طواعية بغاية التضحية… قلوب موحدة (بكسر الحاء: التوحيد) و صفوف موحدة (بفتح الحاء:الوحدة.)) إه كلامه حفظه الله. -2- ثُمَّ جاءتني كلمةٌ لأبَرِّ تلامذتي النبهاء وأصحابي النجباء فضيلة الشيخ المرابط حمّاد القباج وفقه الله وسدده يقول فيها: ((الحج .. تذكير مستمر .. السعي بين الصفا والمروة: تذكير مستمر بامتثال إبراهيم وهاجر عليهما السلام لأمر الله تعالى بالهجرة من جنات الشام إلى أرض مكة المقفرة .. الطواف وتقبيل الحجر الأسود: تذكير مستمر بوجوب طاعة الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ولو فيما لا يدرك العقل حكمته.. الوقوف بعرفات: تذكير مستمر بأهمية سعي الإنسان لتكفير الخطايا التي يتحملها بسبب التفريط في طاعة الله تعالى.. ذبح الهدي والأضحية: تذكير مستمر بوجوب طاعة الله تعالى ولو فيما يخالف هوى النفس .. رمي الجمرات: تذكير مستمر بوجوب معصية الشيطان ورفض ما يوسوس به من ترك طاعة الله سبحانه.. الحج.. كله تذكير مستمر بضرورة وأهمية طاعة الله الخالق الكريم تبارك وتعالى ..)) إه كلامه وفقه الله. -3- فَعَلَّقتُ عليهما نفع الله بهما تتميماً لما راماه من أسرارٍ تكون معهما أوسع بالآتي قائلاً: مِن جميل لُمح اللطائف و لمع المعارف استنطاق الحِكم الكوامن؛باستلهام الظاهر والباطن؛ للتعريف بأسرار التكليف ؛ كما نبه عليه العلامة أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات… ومن نسيمِ ما وقفتُ عليه؛وإنما عبَّرْتُ عنه"بالنسيم" جرياً على قول علمائنا في نظيره أنه: "مما يُشَمُّ ولا يُفْرك"؛ فهو وردة تُرعى وتُسقى لتُرَىٰ فَتُرِي لِتُوري.. فلا تكن معها ظاهريا ولا باطنيا؛ لا حلواً فتسترط ولا مراًّ فتُعْقى.. ومنه ربط السياسة الشرعية بالعبادات المرعية: وأن الإمامة بحسب صلاحها وفسادها تستحق المدح أو القدح؛ و أن الجماعة مخاطبة بذلك جمعاء وإلا فجماعتها تتبع إمامتها إجزاءً وبطلاناً.. -1-"جماعة الصلوات" (مثالُ الانصياع): فحينما نصلي وراء إمامنا الراتب "صلوات الجماعات" ونحن في سلطانه ؛ لا نتقدم بين يديه ولا نعمل إلا بعمله ؛ ما دمنا قد رضيناه ؛ وبالخير شهدنا له و شهدناه ؛ وبين يدي ربنا للدعاء العظيم قدمناه ؛ و لكن إذا سهى ذكرناه تسبيحاً وتصفيقاً ؛ وعند الخطإ فتحنا عليه لأننا نحفظ كحفظه وفينا من أولي الأحلام والنهى من يليه ليهديه أو يُثنيه ؛ وفي السهو سجدنا معه وإن لم نَسْهُ تضامُناً في التحمل ؛ وتضحية في المنشط والمكره ؛ ونبقى رهن تكبيرته فلا نخل بيعته ولا ننزع يدا من طاعةٍ ؛ حتى يأذن بالسلام ؛ ما لم يَفْتِنْ بمشقة تطويلٍ على ضعيف ؛ ولا أخرنا عن عظائم مصالح للدين أو الدنيا ؛ ولا تحجر قلبه على امرأةٍ أو رضيع ؛ ولا استخلف من لا يُرتضى؛ فحينها النصيحة واجبة ؛والجماعةُ أُمُّ الجميع والمسجد -وهو وطننا ساعتها- مِلْكٌ للجميع … فنحن لا نعتبره مَلَكاً لا يَزِلُّ ؛ فلذلك نحتمل منه الخطأ والعجز ولا نغالي عليه ؛ وهو لا يجوزُ أن يظننا قُطعاناً لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئاً ؛ فيسوقنا أو يسوق علينا دون مشورةٍ أو تقدير؛ فالعهد الجامع بيننا في كل الله اللحظات والمحطات ؛ هو "الله أكبر" منا و منه ؛ وإليه وجَّهْنا وُجُوهَنا فإليه المنتهى في كل ما نأتي و نذر … -2-"رمي الجمرات" (مثالُ الامتناع): وفي مقابله-أي ذاك الإمام الراتب-ذلك الشيطان الليطان ؛ الذي يقعد في صراط الله المستقيم بجنوده ؛ يوعدون ويَصُدُّون عن سبيل الله ويبغونها عِوجاً ؛ و يستغل مقامه السني الذي يقتضي منه حسن العبودية ليكون عن أمر ربه مستكبراً ولاصطفائه آبياً ؛ فهنا لا تتأخر الأمة بفرط الإمهال إلى درجة الإهمال ؛ بل تؤدي واجبها تُجاهَ رأس الشر إن بان أنه الشرَّ يريد والنصحَ يأبى ؛ فتجمع أمْرها بخاصها وعامها وتتجه في "تَظَاهُرٍ جماعي" و "ببرهان شرعي" بإمامة صالحيها وعدولها ؛ ملخصة ما تنتقده مما يُرفض في ميزان العدل والإحسان ؛ في "بيانٍ أخير" لتوحيد الأمة ولجمع الكلمة ؛ فهي الوسط العدول الخيار التي أخرجت لِلنَّاسِ ؛ لا هي تبتغي فتنةً ولا هي تقرُّ منكراً و تحرص على الإصلاح كما تحرص على الاستقرار ولا تبغي عنهما معاً بديلاً أبداً … كما هو جلي في"درس الجمرات" إذ تتوحد الجهود لرجم "المعنى الفاسد" الذي قد يفسد القلب ويفسد الحياةَ ؛ تعبداً لله بإنكار كل مُنْكر ؛ بشرط أن لا يتخلى منا أحد في لمِّ الحصياتِ السبع الطاهرات والرمي بها في وجهِ الشواخصِ الثلاث في الأيام الثلاث ؛ فلا تُهْمل صغرى سوءٍ ولا وُسطى وسائله ولا كبرى غاياته ؛ فهي سبعون حصاةً و رميةً لغير المتعجل ؛ و كما طفتَ سبعاً و سعيتَ سبعاً فارمِ سبعاً فإن الله وترٌ يحب الوتر ولا تيأس من تكرار.. ومن فاتته بتقصير فما تم حجه لله ؛ ولا كان قصده كما يرضى مولاه ؛ وأما من وكَّل في غير حاجةٍ أو نحر مع استطاعة ؛ فما دمه بدم شكران ولا كفران؛ وما هو بالذي لله حاجة في أن يدع بلده و أهله؛ فمن لم يدع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ؛ قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم … فالذي عظم بيت الله بالطواف التزاماً وحباًّ وتعظيماً ؛ لا بد أن يرجم ما يخالف به عنه انفصاماً و بغضاً وتحقيراً ؛ ولا يسمحْ لقاطعٍ يقطع طريقه المنحدر إلى حيث بيت الرب … ؛ ولا يضرنا هنا أن نُشير لأقاويل التفاسير حيث بدأ آدم قصده أو حيث جسَّد الخليلُ تضحيته بالولد فلذة الكبد وغير ذلك ؛ مما لا ينافي القصد المتوخى من أنه مقامٌ حيث يتم تجريد تفريد التوحيد ؛ فتفرد الرب عَزْماً ؛ و تجرد الهوى رجماً ؛ و ما أكثرَ الجمار المشتعلة ؛ والتي تلتهب إحراقاً للنفوس وللأمم ؛ جمرة الاختلاف جمرة الإعراض جمرة الاستبداد وغيرها ؛ ترميها بتلك"الحصيات الصغار"؛ لتوقن بأن العمل مهما صغُر لا يُحتقر ؛ما دام على "هدى جماعي متواصل لإقامة المعروف بالمعروف " ؛ فتلك الحصى هي جبالٌ من الإصرار والإقدام ستتقاذف من أيادي الموحدين المتوحدين ؛ لتصد كل تلك الموانع التي تحول بينك وبين الفوز العظيم ؛ مما يحتاج إلى المبيت الطويل حيث تجتمع رؤى العقلاء على تحقيق المُنى العلياء ؛ و بذا نحوزُ فوز الموحدين بشهادة رسول الله كما عند مسلم وغيره عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله لما مر صلى الله عليه وسلم بالدُّفِّ بحذاء جبل جُمْدَان، وهو في طريقه إلى مكة في حجة الوداع إتكأ على مؤخر رحله فقال : «أين السابقونَ؟». قالوا: يا رسولَ الله، قد مضى ناسٌ وتخلَّفَ ناسٌ. فقال: «سيروا، هذا جُمْدان، سبق المُفَرِّدُونَ، سبق المُفْرِدُونَ». قالوا: وما المُفَرِّدُونَ يا رسولَ الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكراتُ، الذين يُهْتَرُونَ -أي: يولعون- في ذكر الله، يضع الذكرُ عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خِفافًا» (وقد صح بتشديد الراء وتخفيفها) يقول الحموي في معجم البلدان (2/161): (ولا أدري ما الجامع بين سبق المفردون ورواية جُمْدَان، ومعلوم أن الذاكرين الله كثيرًا سابقون وإن لم يروا جُمْدَان، ولم أر أحدًا ممن فسر الحديث ذكر في ذلك شيئًا). قُلْتُ: قال ابن ملك: ((وفي ذكره عليه السلام هذا الكلام عقيب قوله: "هذا جمدان" لطيفة وهي: أن جمدان كان منفرداً ولم يكن مثله فكذا هؤلاء السادات منفردون ثابتون على السعادات)) إه. إنه مقام عظيم و صور العظمة فيها لا تعد ولا تحصى ؛ و قد كان مِن زَكِيِّ علم الصحابة الكرام الذي ورثوه عن أول العابدين سيد الأنام ؛ أن قال صاحب الأسودين كنيف العلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه -ووالله إني لأهتز شوقاً وحبا عند ذكر هذا الإمام- : "كان إذا رمى جمرة العقبة قال : هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة." قلت : ووالله ما أظنه قصد جغرافية التموقع يميناً أو يساراً فقط ؛ بقدر ما أراد أسرار الواقعة : أي "واجبُ الرمي" ؛ و خصوص المَوْقع : أي "تسمية جمرة العقبة" ؛ و شرفُ المُوقع وهو "فعل سيد العابدين وحامل الزهراوين".. و ما ذكر سورة البقرة بالعَرضي ؛ ولا لاختصاصها بكثير من أحكام الحج كما قال بعض العلماء … وربما شرحناه في فرصة أخرى بحول الله … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنما جعل الطواف بالبيت والسعي ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) رواه أحمد. وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها .. قال شيخنا الرباني الإمام ابن باز رحمه الله : (( .. رمي الجمار يشعر المسلم بالتواضع والخضوع في امتثال الأمر في حالة الأداء ؛ كما أنه يعود الفرد المسلم على النظام والترتيب في المواعيد المحددة ؛ والمواظبة على ذلك في ذهابه لرمي الجمار الأولى والثانية والثالثة التي هي جمرة العقبة ؛ ثم التقيد بالحصيات السبع واحدة بعد أخرى مع الهدوء وعدم الإيذاء للآخرين بقول أو فعل ؛ كل هذا يعود المؤمن على تنظيم الأمور المهمة والعناية بها حتى تؤدى في أوقاتها كاملة. و الاحتفاظ بالحصيات وعدم وضعها في غير مكانها ؛ يشعر المسلم بأهمية المحافظة على ما شرع ربه وعدم الإسراف ؛ ووضع الأمور في مواضعها من غير تبذير ولا زيادة أو نقص.)) إه نَعَم فما هي والله بجبال ولا أحجار ؛ نُقبِّل حجراً و نرمي حجراً ؛ ولكنها مشاعر الشعائر حيث الوفاء بعهود "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم" حيث "يمين الله في الأرض" لتبقى له صالحة كما أَمَر "لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" ؛ إنها حيثُ تقوى القلوب تُتزوَّدُ و تُنال "ولكن يناله التقوى منكم""وتزودوا فإن خير الزاد التقوى""ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" ؛ إنها حيث ربط الماضي المجيد بالحاضر السعيد : 1-في العبودية:فلا ملك ولا حكم إلا لله مولي النعم.. 2- وفي الحرية:فأنت في حرم لا تُضام.. 3- وفي الاستعداد: إذ ودعت الأهل وصيةً واستحضرت الحشر العظيم .. 4- وفي الحضارة: إذ تقيمها عالميةً في الأفئدة الهاوية .. 5- وفي العدالة: إذ تستوي الرؤوس وتغيب الماركات وترف الاستهلاك تحت البياض بين الأرض والسماء 6- وفي القدوة: إذ تجعل الخليل والحبيب إمامين.. 7- وفي البناء: إذ ترى كيف تسهم في قواعد البيت العتيق و ثبات لبناته الخالدة … فآهٍ لو تتآلف شعوبنا مع حكامها و حكامنا مع شعوبها ؛ لكان لأمة الإسلام اليوم شأن وأي شأن ووالله لن يقوم لحصيات وحدتنا شيء من كيان الغرب الطاغي إذ نرميه عن حُرُماتنا بكفٍّ وَاحِدَةٍ .. و ليس هذا من الوجه المتخوف عند بعض أهل الهلع مما يسمونه"التفسير السياسي للإسلام"؛ مع أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هو إمامي في هذه اللطيفة حول معاني رمي الجمار إذ خلد عندها حديثا حسَناً هو من لُب السياسة الشرعية بامتيازٍ ؛ كما أخرجه الأربعة وأحمد. من حديث أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، سَأَلَهُ، فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ، قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ». أفيُسمي رسول الله الحج جهاداً ؛ ويُسأل فيه عن الجهاد ؛ و يذكر الجور والاستبداد ؛ و مسئولية كلمة الحق أن تقال و لها يُنقاد ؛ ثم يريد منا الموسوسون بهلع شبح التفسير السياسي للإسلام أن نسكت عن لطائف دلائله ؛ ليس لداعٍ سوى لأنَّ أعداء الإسلام يريدون أخونة العالم و تخوينه وتدعيشه وتهميشه وإرهابه… كَلاَّ -و رب البيت- بل هو حروف نحو "الوعي اللائق بالدِّين الكامل الخاتم".. لتأكيد أنه صالح مصلح في كل مجالات الحياة؛ "فلا رفثَ-بل استغناء بالله عن الشهوات- ولا فسوقَ -بل استقامة على شريعته- ولا جدالَ -بل معرفة وحضارة- في الحج" فإذا تمت الثلاث في المجتمع ؛ فقد تم حجهم لله وكانوا من أهل القصد المبرور إليه ؛ و كان الحج عليهم منفعةً ؛ قضوا فيه تفث كل الجاهليات… وصدق الله إذ يقول في"عبادة الصلاة": ﴿فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ ومثله في قضاء "عبادة الحج" : ﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق﴾ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب﴾ إنه السعي الدائب في استصلاح الأرض بحسنة الدنيا و حسنة الآخرة ؛ وهذا هو الخَلاَق الذي يرضي الخَلاَّق ؛ و ما سواه إِلاَّ إفكٌ واختلاق.. وما كان لله أن يعمم أذان الحج في الثقلين كما قال قتادة لما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج نادى: "ياأيها الناس إن الله بنى بيتاً فَحُجُّوهُ " ؛ ليتعب الراجل والضامر ؛ ولكن ليشهدوا منافع الباطن و الظاهر ؛ فرادى و جماعاتٍ و أُمماً وعبر كل الأزمان : {{وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}}. فلا يمكن أن تكون هذه الشعائر أركاناً للدين وأعلاه ؛ و محبوبةً عند الله أشد الحب وأسناه ؛ ثم تكون مقصورةً في فقهيات أو محصورةً في معدودات ؛ بل هي ذات أوديةٍ تسيل بقدرها لتمطر العزة والأمجاد والإنجازات… لتعود أيها الحاج بولادتك الجديدة كيوم ولدتكَ أمك -أنت وكل تلك الملايين في كل عام -؛ لمشروع جديد تتجدد به الأمة ؛ و يتجدد لها فيك دينها وشبابها فتقوى على مواجهة تكالب الأمم… أُمَّةٌ: تضعُ "الانصياعَ" في محله ولا تغيِّبُ "الامتناع" عن محله… جعل الله حجكم مبروراً و سعيكم مشكوراً..