هوية بريس – نبيل غزال كثيرون من يعبرون عن آرائهم داخل هذا الوطن حول شخصيات عمومية أو مؤسسات دستورية أو إعلامية أو غير ذلك، ولطالما ارتفعت أصوات الصحفيين خاصة مطالبة بحرية التعبير، أو لنقلها صراحة حرية الانتقاد والنقد والاتهام.. مع الإصرار على رفع كافة العقوبات الحبسية وغير الحبسية التي قد تستتبع رمي (الناس بالباطل). هذا هو ديدن كثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية، خاصة من تتبنى منها المرجعية العلمانية، وترفع سقف الحريات، وتصر على إلغاء كل القيود على حرية التعبير والإعلام. لحد هنا الأمور واضحة ومفهومة، لكن ما ليس واضحا ويتعسر فهمه هو أن ترفع مؤسسة إعلامية تصدر عن مرجعية علمانية دعوة قضائية ضد شيخ أعزل جريمته الكبرى هو رأي شخصي عبر عنه في العالم الافتراضي!!! فالعقل والحكمة يقولان بأن القناة الثانية M2 كان عليها ألا تلتفت إلى تصريحات أبي النعيم؛ بله أن ترفع شركة "صورياد دوزيم" دعوى قضائية ضده، فالتصرف العقلاني الذي كان عليها أن تتخذه هو أن تغلق أذنها اليمنى بالطين والأخرى بالعجين، ولا تمنح أبا النعيم أي فرصة للأخذ والرد، لأنه لا يمكن على الإطلاق أن يقارن بين قناة "عمومية" تملك من الموارد المالية والبشرية والإمكانات التقنية واللوجستيكية الشيء الكثير، وبين مواطن مغربي واحد لا يملك إلا أحباله الصوتية وموقعا يرفع فيه تسجيلاته بالمجان. لكني أظن أني مخطئ وربما مجازف أيضا في هذه المقارنة، ذلك أن أبا النعيم ليس شخصا عاديا، لا أبدا، فقد استطاع هذا الشيخ وحده ودون أن يقدم له أي نوع من الدعم والمساعدة أن يستفز عددا من الكائنات السياسية والحقوقية من قبل، وها هو اليوم يحرج القناة الثانية M2 ويدفعها إلى المطالبة بمنع حرية التعبير وتقييد الحريات. عجبا؛ شيخ واحد فقط استطاع أن يخرج مكنون صدور العاملين في هذه قناة التي لطالما أثارت الجدل، ولطالما انهالت عليها الانتقادات بل صبت عليها اللعنات بسبب منتوجها الإعلامي السافل، ويكفي الباحث أن يكتب اسم دوزيم/القناة الثانية 2M على محرك البحث في المارد الأزرق ليكحِّل عينيه بعدد من الصفحات التي خصصت للهجوم على القناة الثانية والتنديد بما تبثه وتنشره بين صفوف المغاربة. كم هم ضعفاء وعاجزون من قرروا متابعة أبي النعيم قضائيا، قد يبدوا الأمر عند الوهلة الأولى محنة لهذا الشيخ، لكن الواقع يشهد أنه رفعة له في الدنيا والآخرة أمرها عند الله. فأبو النعيم (المدَّعى عليه) بسبب تشبثه بمبادئه واستماتته في كشف أستار "المنافقين والخونة والصهاينة.." -كما يعبر عن ذلك-، وبسبب إصراره على ذكر من ينتقدهم بأسمائهم ستزداد شعبيته ويذيع صيته أكثر مما كان عليه من قبل، وسيتضامن معه خلق كثير؛ وبالمقابل فإن القناة الثانية (المدَّعية) والتي تحقق نسب مشاهدة كبيرة بسبب مخاطبتها للأجهزة التناسلية للمواطنين بدل عقولهم، ستقوم بدور الدعاية المباشرة للشيخ السلفي ودون مقابل طبعا. من يعرف أبا النعيم عن قرب ويعرف توجهه ومنهاجه، يعلم علم اليقين بُعدَ هذا الشيخ عن فكر التطرف والتكفير والعنف، فهو لا ينتمي إلى هذه المدرسة، ولطالما شنع على رؤوسها وحذر من خطورتها، وولاؤه وانتماؤه هو لمنهج سلفي معتدل يحث على التمسك بالنصوص الشرعية والصدع بالحق وعدم مهادنة أهل الباطل. أكيد أن الفراغ الذي تركته الوزارة الوصية على الشأن الديني حين عطلت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكبلت العلماء وحالت دون قيامهم بما أوجبه الله عليهم من بيان للحق وكشف للباطل وفق ما أمرهم الله تعالى به {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}، أكيد أن هذا الفراغ سيملأه غيرها، سواء علمت بذلك أم لم تعلم، وعادي وطبيعي جدا أن يظهر علماء ودعاة يرفضون الضيم ولا يعطون الدنيَّة في دينهم، ويصدعون بالحق -وفق ما تبين لهم-، فهؤلاء سيلتف الشباب حولهم وكل شرائح المجتمع التي ترى المنكرات صباح مساء ولا أحد يقف في وجهها ويقول فقط: "اللهم إن هذا منكر". فما تنشره القناة الثانية فعلا هو منكر عظيم لا يمكن السكوت عنه، وتطبيعها مع الصهيونية عمل مكشوف، ويكفي أن أذكِّر القراء الكرام أنه في الأسبوع الموالي لخروج المغاربة في مسيرات مليونية لدعم القضية الفلسطينية ومناهضة تهويد القدس عام 2012، وفي يوم ذكرى مجزرة (دير ياسين)؛ قامت القناة الثانية M2 -وفي خطوة استفزازية سافرة- بتطبيع علني ببث فيلم وثائقي بعنوان: "تنغير جيروزاليم-أصداء الملاح"؛ لمخرجه المتصهين "كمال هشكار" والذي أبدى تعاطفه مع اليهود الذين احتلوا فلسطين، وشردوا أهلها وقتلوهم، بحجة أنهم أبناء قريته وبلده. وقال هشكار: "عندما قرأت "ألف عام ويوم" لإدمون المالح، تملكني الشعور بهذا التعلق بالأرض والتعاطف مع هؤلاء المغتربين"!!! إن القنوات الصهيونية التي تبث من تل أبيب أو حيفا أو غيرها من المدن المحتلة من الكيان الإرهابي، رغم علمانيتها وبعدها عن تعاليم التوراة المحرفة، لم تجرؤ يوما على النقل المباشر لعروض "جينفر لوبيز" الإيروتيكية، وتحترم إلى حد ما قناعات الصهيوني ومرجعيته، بخلاف M2 الذي تبث من بلد إسلامي له دين وعقيدة ومذهب معلن وواضح، ورغم ذلك فهي لا تحترم البتة مرجعية البلد وقناعات المواطنين، وتحارب العلماء، وتحاصر التدين، وتحرض على الفساد والزنا والشذوذ، وتغطي المسلسلات المدبلجة التي تبثها يوميا ثلث البرامج المقدمة، كما تصل الإنتاجات الأجنبية إلى أزيد من نصف البرامج. فهل هذه القناة قناة وطنية أم قناة…؟! أترك لكم الإجابة..