1 – يشكل حي بن كيران أو ما يعرف شعبيا "بحومة الشوك" أحد أهم وأشهر الأحياء الشعبية بمدينة طنجة، وهو الآن رغم طابعه غير النظامي، يساهم في تنشيط المجال التجاري لهذه المدينة بوضوح بالغ، ويستقطب عمالا من مختلف المدن المغربية نساء ورجالا، اعتبارا من أنه قريب من المناطق الصناعية وورشات البناء والنسيج ومختلف أصناف الإنتاج، كما أنه يضم مختلف المرافق بالغة الحيوية من مدارس ومساجد وصيدليات ومراكز التسوق والاتصالات.. كما أنه أنتج خيرة الشباب المتعلم، في ميدان المحاماة والتعليم والصحة والأمن والصحافة، بل إنه أغنى عروس الشمال بكتاب ومثقفين من العيار الثقيل. 2 – لكن مؤخرا نزل على هذا الحي خبر كالصاعقة، مفاده أن شركة عقارية أعلنت أنها صاحبة العقار الذي يقطن فيه سكانه بدون سند قانوني، وأنها أي الشركة هي التي تملك هذا الحق، وتطالب باسترجاعه وإفراغه من أهله، وقد سبق للمحكمة أن أصدرت أمرا بإخراج السكان من هذا العقار "المحتل" منذ سنوات دون تنفيذه بالمرة. وفي المقابل يؤكد السكان أنه اشتروا قطعهم الأرضية منذ أكثر من أربعة أو خمسة عقود من السنين بطريقة قانونية، وأنهم يملكون وثائق إدارية تثبت أحقيتهم تلك، ويحافظون على تأدية الضرائب ويؤدون واجبات الماء والكهرباء والاتصالات بالكيفية المطابقة للقوانين الجاري بها العمل، وأنهم غير مستعدين للتخلي عن منازلهم التي ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تجسيدها على أرض الواقع. 3 – ويومه الأربعاء 25 أكتوبر 2023 شهدت المحكمة الابتدائية بطنجة أولى جلسات هذه القضية، التي تأجلت إلى يوم 8 نونبر 2023. في كل الأحوال أنشأت الساكنة ما أصبح يعرف "بتنسيقية حي بنكيران" للتعريف بقضيتها أمام الرأي العام والصحافة، عبر وقفات سلمية تردد فيها شعارات رافضة للحيف والظلم الاجتماعي، ومطالبة بالتشبث "بحقها" مهما كلف ذلك من تضحيات، وفي السياق تكفلت نخبة من المحامين الذين لهم إلمام دقيق بهذا الملف الشائك، للمرافعة في ردهات المحكمة دفاع عن السكان الذين يمرون بظروف نفسية بالغة الأسى والحزن والمصير المجهول. 4 – لكن تظل ثقتنا متينة في القضاء الذي سيعلن عن قراره النهائي بعد النظر في ملفات الطرفين بجدية وإحساس بالمسؤولية، حيث إن الحق يعلو ولا يعلى عليه والقضاء ابتداء وانتهاء يتوخى العدل والإنصاف، ومن تحصيل الحاصل القول إن هذا الحي الذي أصبح نارا على علم، بدأ يشهد عملية البناء منذ السبعينيات من القرن الماضي، وربما قبله بقليل، لكنه عرفة "طفرة" استثنائية ابتداء من مستهل الثمانينيات، إذ حجه عدد غفير من سكان ضواحي مدينة طنجة والقرى والبوادي القريبة، الذين باعوا كل ما لديهم من ممتلكات بسيطة و اقترضوا وعانوا كثيرا للحصول على "قبر الدنيا"، كل ذلك حدث على مرأى السلطات المحلية من "مقدمين وشيوخ وقياد" ومصالح إدارية و منتخبين ومسؤولين في تدبير الشأن المحلي. 5 – فهل سيُنظَرُ إلى هذه القضية الاجتماعية بالغة الخطورة، والتي هي الآن على صفيح ساخن، من زاوية العدالة المنفتحة؛ فيتم ترجمة مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وتأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية لساكنة مغربية هشة، دون المساس بحق الطرف الآخر، الشركة التي تعلن "أحقيتها المطلقة" في الوعاء العقاري، رغبة في الوصول إلى حل يرضي الطرفين حيث "لا غالب فيه ولا مغلوب"؟ هذا ما نأمله ونرجوه لتحصين الأمن الاجتماعي، وضمان قيم العدل والتراضي والاستقرار.