يسرني تعميما للفائدة أن أتقاسم معكم ومع الباحثين الكرام في فسحة الصيف مسار ربع قرن من الاشتغال بالبحث والتكوين في مجال القيم تنظيرا وتطبيقا ، وذلك بقصد فتح المجال أمام الباحثين والمهتمين بالاشتغال على هذا الموضوع الذي يعتبر اليوم مصدر الأزمات وفي نفس الوقت المدخل الرئيس لمعالجتها، انطلق البحث في الموضوع بتشكيل فريق من الباحثين لإعداد منهاج تعليمي لمادة التربية الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان منذ سنة 97 بإعتماد المدخل القيمي كأول تجربة اعتمدت هذا الخيار في بناء المناهج التعليمية ، هذا المشروع الذي تم تدقيقه وإغناؤه واعتماده في الكتاب الابيض سنة 2002 ، وتم العمل به في المدرسة المغربية ، وشكل الباحثون المؤطرون لهذا المشروع النواة الأولى لتأسيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية سنة 2000 ، ثم تأسيس فريق البحث في القيم والمعرفة واعتماده من طرف جامعة عبد المالك السعدي بتطوان بعد التحاق أساتذة باحثين من تخصصات أدبية وعلمية مختلفة ، وفي نفس هذا السياق واستثمارا لهذه التجارب تم تنظيم الندوة الدولية الاولى في موضوع " القيم الإسلامية في المناهج التعليمية بمشاركة خبراء من ثلاثة عشر بلدا ، بتعاون مع منظمة العالم الاسلامي للتربية والعلوم والثقافة ايسيسكو، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ، وتنفيذا لتوصيات هذه الندوة الدولية كلفت من طرف الايسيسكو بتأليف كتاب "القيم الإسلامية في المناهج الدراسية" سنة 2004 ، لإبراز علاقة القيم بمختلف المواد الدراسية ، ثم كتاب القيم الاسلامية في المنظومة التربوية سنة 2008 ، لتوضيح الإطار النظري والمفاهيم التأسيسية للموضوع ، واعتمادهما من طرف هذه المنظمة في تأطير دورات تكوينية في الموضوع على صعيد العالم الاسلامي باعتبارها جهدا متراكما مؤطرا لمشروع البحث في القيم فكريا وتربويا بالإضافة إلى كتب أخرى، وسعيا إلى انفتاح أوسع على تجارب دولية أخرى دعيت إلى إلقاء محاضرة علمية بمقر البرلمان الأوروبي باستراسبورغ سنة 2010 ، في موضوع " الدين وتجربة تكوين الأطر الدينية بالمغرب المؤسسات والممارسات "، بهدف تطوير الخطاب عن الاسلام في اوروبا في تفاعل مع القضايا المعاصرة ، وذلك خلال مؤتمر " الاسلام في اوروبا " الذي حضره ممثلون عن الأديان المختلفة من دول الاتحاد الاوروبي وخبراء من خارجه، ثم دعيت بعد ذلك لتقديم ورقة علمية بجامعة اوكسفورد بلندن سنة أبريل 2014 في موضوع "تكامل المعرفة والقيم في بناء المناهج التعليمية" بحضور خبراء مختصين في فلسفة الاخلاق ومستقبل إصلاح التعليم ، من الخليج العربي وأوروبا وإفريقيا ، في ملتقى للخبراء خصص للتفكير في مستقبل إصلاح التعليم في ضوء التحديات المعاصرة، إصدارات ومناسبات علمية فتحت أعين الباحثين بفريقنا على أسئلة جديدة وعلى أهمية الاشتغال بإنتاج خطاب كوني عن الاسلام ، من خلال دراسة النداء الإلهي "يأيها الناس" و "يابني آدم " ، و "يأيها الانسان " ، وحيث أن الحوار هو المدخل الرئيس للاشتغال بموضوع القيم بانفتاح على التجارب الدولية ، فقد ضمنت خلاصات التأليف والمحاضرات السالفة في تأليف كتاب " دليل تنمية القدرة على تدبير الاختلاف" الذي أصدرته مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط ، ثم مؤسسة نماء بالمملكة العربية السعودية ، وسعيا وراء تكوين باحثين متخصصين في هذا الموضوع تم تأسيس الماستر المتخصص في التربية والدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان الذي تخرج منه مآت الكلبة والطالبات ، وكان مشتلا لتخريج عدد من الباحثين المتخصصين في الموضوع الذين ناقشوا بحوث الماستر ، وعدد منهم ناقشوا أطروحات للدكتوراة في هذا المجال بعدد من الجامعات المغربية ،واصبحوا أعضاء فاعلين في التكوين والبحث العلمي في هذا التخصص، بل وأسسوا مراكز بحث بجامعاتهم ومؤسسات التكوين التي التحقوا بها ، هذا التراكم من التجارب والخبرات والكفاءات هو الذي حفزنا على الاشتغال بمشروع "موسوعة منظومة القيم الكونية في القرآن الكريم" ، الذي انطلق حفكرة وتصور سنة 2013، وانطلق العمل فيه بعد نضج تصوره النظري علميا ومنهجيا سنة 2018 ليتم تقديم خلاصاته المنهجية الأولى بعد ثمان سنوات من الاشتغال بالجامعة الإسلامية العالمية بكوالالمبور في فبراير 2023 ، ثم عرض عن تقدم الاشغال مع خلاصات أولية للمشروع بجامعة السوربون بباريس في ماي 2023 بحضور خبراء مهتمين بموضوع القيم من كبريات الجامعات العالمية، محطات أخرى فتح أعيننا على الأسئلة الجوهرية التي يطرحها الآخر المنصف عن الاسلام ومنظومته القيمية ، وبلورت توجهات كبرى علمية ومنهحية للاشتغال على الموسوعة ، الذي تتظافر فيها جهود فريق من الخبراء الباحثين المغاربة بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية بالرباط ، وفريق البحث في القيم والمعرفة بتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن ، ومعهد الدراسات الابستمولوجية ببروكسيل لإخراجها الى حيز الوجود ، ونشرها ورقيا ورقميا للاستفادة منها على أوسع نطاق ، ونحن حريصون في كل خطواتنا على أن نستمع ونستفيد من الجميع توجيها ونقدا وتصويبا وتجويدا ، بارك الله في جهود الجميع ، ونسأل الله التوفيق والسداد والعون والرشاد لإتمام المشروع ،