ثبت بالدليل القاطع أن من شروط الزكاة حولان الحول على مبلغ وصل إلى النصاب أو زاد عليه؛ أي مر عليه سنة هجرية كاملة، ولهذا قد يختلف وقت إخراج زكاة المال من شخص إلى آخر حسب متى امتلك ذلك الشخص نصابا. وقد دأب المغاربة منذ عقود على إخراج زكاة أموالهم في شهر الله المحرم، وجعلوا هذا الشهر الذي هو من الأشهر الحرم موسما خاصا بالزكاة، فتجد غالب التجار وأصحاب الأموال يقومون بتصفية معاملاتهم المالية من ديون وغيرها، وعدّ ما لديهم من نقود وعروض التجارة، لكي يؤدوا الزكاة التي جعلها الله عز وجل ركنا من أركان الإسلام الخمس، فهنيئا لمن زكى نفسه بتزكية ماله؛ ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا 9 وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا 10﴾ [الشمس]. لكن، قد يتساءل بعض الناس لماذا اختار المغاربة واستحسنوا إخراج زكاة أموالهم في شهر الله المحرم، بينما في بعض البلدان الإسلامية يخرجونها في شهر رمضان المعظم كبعض بلدان الخليج مثلا وخصوصا السعودية؟ والذي يبدو والله تعالى أعلم أن لاختيار المغاربة أصلا يرتكزون عليه، فقد روى الإمام ملك في الموطأ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن الخليفة عثمان رضي الله عنه قال: (هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، ثُمَّ لِيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ). قلت: دل هذا الأثر على أن شهرا معينا؛ "هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ" اشتهر بين الناس في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه واجتمعوا عليه وجعلوه موسما لإخراج الزكاة. قال أبو الوليد في المنتقى: "قوله هذا شهر زكاتكم: يحتمل أن يقول هذا لمن عرف في الحول، ويحتمل أن يريد أنه الشهر الذي جرت عادة أكثرهم بإخراج الزكاة فيه إن كان يريد العين"انتهى. فكونها عادة جرى عليها عمل الناس إشارة إلى أن تعيين ذلك الشهر كان من باب الاستحسان، والمصالح المرجوة في نظري يعود نفعها على فئتين: 1- على فئة الأغنياء المزكين؛ إذ يجدون من يذكرهم بالزكاة ومرور الحول، فقد قام بذلك الخليفة عثمان وهو على منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا يحسن بالخطباء والوعاظ أن يستنوا بسنة الخليفة ويحدثوا الناس في موضوع الزكاة، وفي أي موضوع يرتبط بمسائل من الدين أو الدنيا حل وقتها. كما يستفيد الأغنياء المزكون بالحالة المعنوية والإيمانية التي يخلفها اجتماع الناس على طاعة من الطاعات واستجابة لمنادي الزكاة، فالمؤمن ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، ويد الله مع الجماعة، فتلين بذلك قلوب الأغنياء ويتنافسون في أداء هذا الركن العظيم. 2- وعلى فئة الفقراء المستحقين للزكاة، وذلك بالحصول على مبالغ مالية مهمة من مصادر متعددة فهو موسم الزكاة تمكنهم من إيجاد حلول لبعض الأحوال المستعصية لديهم أو التخفيف منها، أو جمع مبلغ مهم يمكنهم من إقامة مشاريع -ولو صغيرة- تكون سببا في انتشالهم من دائرة الفقر والحاجة، فيد المسلم العليا أفضل من اليد السفلى، وفي كل خير. أما عن تعيين شهر الذي أشار إليه الخليفة عثمان رضي الله عنه بشهر الله المحرم فإن شيخ الإمام مالك ابن شهاب الزهري أحد رواة أثر عثمان كما جاء في السنن الكبرى للبيهقي قال : "لم يسم لي السائب الشهر ولم أسأله عنه"، غير أن الإمام أبا عبيد في كتابه الأموال قال "وقد جاءنا في بعض الأثر -ولا أدري عن من هو- أن هذا الشهر الذي أراده عثمان هو المحرم". قلت: وبه جزم الإمام النووي في كتابه المجموع وقال: "روى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحرم (هذا شهر زكاتكم فمن كان عنده دين فليقض دينه ثم ليزك بقية ماله)،… والأثر المذكور عن عثمان صحيح". والله أعلم.