تعد السباحة في البحر من العادات التي الأصل فيها الإباحة، فإذا لم يرد نص ينقلها من البراءة الأصلية بقيت على أصلها وكانت من جملة المباحات في حق المكلفين. إلا أن هناك عادات قد تتعرض إلى أمور من خارجها فتجعلها غير مباحة وتنتقل حكمها الأصلي من الإباحة إلى كراهة التنزيه أو كراهة التحريم، بحسب المفسدة التي ترتب عن القيام بها، لكن إذا سلمت من تلك العوارض التي أثرت في الحكم الأصلي لها رجعت تلك العادات إلى حكم البراءة الأصلية وشملتها قواعد الإباحة. ولتقريب فهم المسألة نضرب مثالا نرجو أن يفي بالغرض المنشود: بيع العنب يدخل بيع العنب في باب العادات التي الأصل فيها الجواز، فالحكم الأصلي في بيعه أنه مباح، لكن إذا علم البائع أو غلب على ظنه أن المشتري هدفه من شراء عنبه أن يصنع منه خمرا، فلا يجوز حينئذ بيعه له، وينتقل الحكم الأصلي لبيع الخمر من المباح إلى حكم عارض يحرم هذا البيع. لكن إذا غلب على ظن البائع أن المشتري ليس هدفه من العنب استعماله في صناعة الخمر، إنما له أغراض أخرى مشروعة، جاز بيع العنب وعاد إلى أصل الإباحة. فكذلك السباحة في البحر، هي مباحة بالأصل، غير أنها إذا كانت في وضع فاسد غير أخلاقي كاختلاط الرجال بالنساء في أماكن السباحة، أو لباس الذكور ثياب لا تستر عوراتهم، أو لباس الإناث ثياب تفضح عوراتهن، وغيرها من الأفعال التي تسبب الفتنة وتدعو إلى الفاحشة، فإن حكم السباحة ينتقل من أصل الإباحة إلى كراهة التحريم، #سواء_في_حق_الرجال_أو_النساء. لكن، إذا ما تجنب المكلفون رجالا أو نساء ذلك الوضع الفاسد والتزموا الضوابط الشرعية، فإن حكم السباحة في البحر يعود إلى أصله الذي كان قبل الحكم العارض؛ أي أنه عاد مباحا كما كان ولا يحق لأي أحد أيا كان أن يحرمه، فلا تحريم دون دليل شرعي، وباب الورع باب واسع لمن شاء، لكن لا نعممه على جميع المكلفين، فقد أبت العادة الجارية في الناس أن يكون أهل الورع منهم أو ما يسمى بالخواص قليلين في الأمة زمانا ومكانا وعددا. ونجمل تلك #الضوابط_الشرعية_المطلوبة_فيما_يأتي: أن يلبس الرجل أثناء السباحة ما يستر عورته، التي هي بين السرة والركبة، ومن تورع ولبس ثوبا يستر فوق السرة كان محسنا؛ أن تلبس المرأة أثناء سباحتها ثوبا يستر عورتها التي يجب عليها سترها أمام الأجانب؛ والتي تتمثل في جميع جسدها إلا الوجه والكفين كما هو مذهب جمهور العلماء (1)؛ وكلما كان اللباس يناسب المهمة المطلوبة منه بحيث إذا ابتل بماء البحر لا يصير كاشفا لعورتها أو محددا لها كان هو المطلوب شرعا؛ أن تصحب المرأة معها ملاءة أو "فوطة" تضعها في موضع قريب من مكان سباحتها، حتى إذا انتهت من السباحة وخرجت ألقتها على جسدها، وهذا من باب الاحتياط وليس بواجب عليها؛ أن يتحقق من مسافة الأمان بين الرجال والنساء في أماكن الاصطفاف على شاطئ البحر، بحيث تكون المسافة بينهما كافية جدا لا تمكن من زاغ بصره يمينا أو شمالا من معرفة الشخص المنظور إليه. فإذا التزم الناس الضوابط آنفة الذكر عند الاصطفاف على شاطئ البحر كان من حقهم الذهاب إليه، يستمتعون بهذه النعمة التي أنعمها الله بها على عباده. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب على الجهة المسؤولة من مؤسسات الدولة أن توفر أماكن الاصطياف على شاطئ البحر تستجيب لشروط الشريعة الإسلامية التي يؤمن بها المغاربة، والمقررة في أعلى وثيقة وضعية ورسمية تجمعهم، وهي الدستور المغربي، ومن مبادئه الأساسية التي تم الإعلان عنها: "المملكة المغربية #دولة_إسلامية ذات سيادة كاملة…، كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوئ #الدين_الإسلامي_مكانة_الصدارة فيها…، تستند الأمة في #حياتها_العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في #الدين_الإسلامي_السمح…". نقول: فلا ليس من المقبول شرعا ولا عقلا ألا تفعل هذه المبادئ في حياة العامة للمغاربة وتبقى حبرا على ورق دون تنزيل في واقع المغاربة، سواء تعلق الأمر بموضوع المسألة التي نتحدث عنها أو في غيرها من المسائل المهمة المرتبطة بحياة العامة للمغاربة. وفي انتظار تنفيذ مؤسسات الدولة ما يجب على عاتقها، فإن على الجماعة المسلمة أو ما يسمى بالمجتمع المدني الذي تشبع بروح الشريعة الإسلامية أن يسعى جاهدا في إيجاد حلول تخفف عنه اتساع دائرة التضييق عليه في المباحات بالأصل، التي استحالت محرمة أو مكروهة بفعل العوارض الخارجية عنها؛ فإن دائرة الحلال في الإسلام هي الكبيرة والواسعة، ودائرة الحرام هي الصغيرة والضيقة، وهذا من رحمة الله بأمة محمد عليه الصلاة والسلام وتجسيدا لضعفنا البشري كما أخبر به القرآن، لكن الواقع الذي يحيط بنا اليوم عكس الصورة وفرض علينا واقعا على خلاف الأصل الذي بشر به الإسلام. ولهذا أهيب بالمجتمع المدني أن يتحمل مسؤولية الواجب الكفائي في الدفاع عن حقوقه المشروعة، وفي إيجاد حلول شرعية بديلة. كما بنبغي للآباء وخصوصا رب الأسرة أن يعمل جاهدا في تمكين أفراد أسرته من الاصطفاف على شاطئ البحر وغيرها من المباحات حسب الإمكان ووفق الضوابط الشرعية، وما يتحمله رب الأسرة من مشاق في تحقيق ذلك فله به أجر كبير عند الله إذا استحضر النية وكانت خالصة لوجهه الكريم. وليعلم أن تمتيع أفراد الأسرة بهذه النعم أو المباحات دون إسراف فيها، مما يساعد على تربيتهم تربية حسنة وإقناعهم بجمالية طريق الدين والاستقامة وصناعة النموذج الأمثل أو الوسطي للتدين. أما التشديد عليهم أو حملهم على منهج الورع والزهد فإن غالبية النفوس تنفر من ذلك، وقد يكون سببا في انتكاستهم لا قدر الله، فالقصد القصد تبلغوا، وساعة وساعة، والتشدد ما أسهله من حيث القول به، وما أصعبه من حيث الدوام عليه، والفقه رخصة من ثقة. (1): ومن كانت تأخذ بقول من يقول إن وجه المرأة وكفيها مما يجب عليها سترهما أمام الأجانب فلتزمه، وهذه الجزئية المتعلقة بلباس المرأة خارج بيتها من الخلاف المعتبر، فمن ارتضت قولا من هذين القولين لا يحق لمن خالفها في الاختيار أن ينكر عليها ويتهمها بالتنطع أو التميع.