هوية بريس – ذ.إدريس كرم ملخص الموضوع: يتحدث الموضوع عن سبب استياء المغاربة من تصرفات السلطان عبد العزيز ذات الميول الأوروبية التي ستعصف بالإطار الاجتماعي للمغاربة، وفتح المجال لصراعات الدول الأوربية لتقسيم المغرب وهو مالا تريده فرنسا التي تدافع عن وحدته لأنها تريد احتلاله منفردة بالرغم من دعوة إسبانيا لها لاقتسامه بينهما. لقد أدى ظهور بوحمارة إلى تجرؤ فرنسا على التوسع على الحدود الشرقية وضم بعض منها بدعوى بث الأمن هناك، وتحفيز البعثات الإستكشافية المختلفة التخصصات للقيام بأبحاث يستطيع الفرنسيون من خلالها التعرف على المغرب، المجهول من قبلهم. كلمات دالة: اباحماد، القايد ماكلين، مراسل التايم هاريس، مولاي إدريس، بوحمارة، أخ السلطان مولاي محمد، تافلالت، وجدة، موكادور، الرباط، أنجلترا، سيلفا، فكيك، وهران إدمون دوتي. نص الموضوع: سبب التمرد: فجأة اتخذت الأحداث في المغرب في شهر شتنبر خطورة استثنائية، وظهر لبضعة أيام أن "مسألة المغرب" ستطرح أمام القوى المؤثرة الأوروبية، التي تحدد شكل التعامل مع البلدان وتحديد مصيرها. التمرد الذي أعلنا ميلاده، سببه استياء القبائل المجاورة لفاس، وانتشار تهديد السلطان عبد العزيز لها. سيكون من العبث الجدال في أن أسباب نجاح الثورة، يكمن في انزعاج الأهالي، من الإصلاحات السابقة لأوانها، التي أقرها السلطان الشاب، وقد تمت الإشارة منذ فترة طويلة بقلق، من قبل فرنسا لتلك الرغبة الشديدة -التي أبداها السلطان عبد العزيز- في الحصول على كل أشكال المبتكرات -بعد وفاة وصيه القاسي والحكيم با احماد- فظهر في بعض الأحيان متحررا طليقا، منجذبا بطبيعته، وأحيانا برغبته الطفولية، نحو الابتكارات الجديدة، والتقدم الأوروبي. لقد أراد أقلمة المغرب مع التقدم الأوربي، دون تفكير في أنه سيفجر الإطار القديم الذي حصره فيه، لقد تم حثه بشكل غير حكيم، على القيام بذلك من قبل مستشاريه البريطانيين، الذين لعبوا حوله، دور الأصدقاء والنصحاء الخلص، في نفس الوقت كانوا وكلاء مساعدين للسياسة البريطانية، وتم التحدث عن أسمائهم في كثير من الأحيان، في سياق الأحداث الأخيرة، وتحديد مسؤولياتهم بشكل واضح للغاية، من قبل وقائع لم تفصح لنا تقريبا، إلا عن اسمين رئيسين، وهما "القايد" ماكلين، ضابط الصف القديم، في الجيش الإنجليزي، الذي قدم المغرب، للقيام بأعمال تجارية، فوجد الفرصة للقيام بدور سياسي، وسار قائدا للحرس السلطاني. السير جون ماكلين ومراسل "التايم" السيد هاريس، الرجل الذكي، والنشيط الملم بكل ما يتعلق بالمغرب، والذي نصب نفسه مؤرخا لعبد العزيز، وباعثا لجريدته بمراسلات طويلة مكتوبة بفنية، مادحة للسلطان، واصفة إياه بصديق الأنجليز ومفضل منتجاتهم الحديثة على غيرها. تغيير اهتمامات السلطان: كان المغاربة يشاهدون كل يوم مفاجأة جديدة من سلطانهم، فقد أصبح سليل الأشراف، يكرس وقته للتصوير، والدراجة، والسيارة، وارتداء الملابس الأوربية وفتح قصره ومعسكره للأنجليزيين… ولم تكن هذه الممارسات سوى تهما بسيطة، لكنها مع ذلك كانت مهمة بالنسبة للمسلمين، حيث أفسحت دهشتهم المجال، للاستياء الشديد، من ذهابه في هذا الاتجاه الجديد، إلى حد نسيان أكثر التقاليد قداسة، وذلك عند إعدامه مواطنا، بعد جلده المخزي، لأنه ضرب مسيحيا، والتجأ لحرم مولاي ادريس، احتماء به -على العادة- من الإدانة والتوبيخ، إلا أنه أخرج منه عنوة، ونفذ فيه العقاب، الذي رواه السيد هاريس، بحماسة، مشيدا بشخصية السلطان. في خضم هذا الغضب والفوضى، أُعلن عن بوحمارة قائدا للثورة، في ظروف غامضة، وأنه ممثلا للتقليد والعقيدة الإسلامية، فازداد حوله تجمع عدد من المتعصبين الرافضين لمسلك عبد العزيز الجديد، بسرعة كبيرة، وكاد الثوار أن يسقطوا النظام بفاس، ويتخلى عنه مستشاروه الإنجليز، وسنقرأ فيما بعد، أن الثوار وقعوا في أزمة، تمثلت أولا في إطلاق سراح الأخ الأكبر للسلطان، مولاي محمد، الذي كان مسجونا منذ تولي عبد العزيز العرش، وثانيا في الانقسامات التي حدثت بين الثائرين، وهو ما قوى موقف مولاي عبد العزيز، فاستعاد سيطرته على الوضع، عن طريق الحظ. هذه الأزمة أماطت اللثام بهدوء، عن العواقب التي كادت أن تؤدي لتدخل القوى الأوروبية، في المغرب بابتهاج، وتجعلنا نأخذ منه شيئا لأنفسنا. عواقب تمرد بوحمارة: إن تمرد بوحمارة حسب تعبير أحد دبلماسيينا في إحدى الصحف، قد مهد الطريق لنا في المغرب، لنطهر الأرض التي استولينا عليها فيه من قبل. لم يكن المخزن يلتفت لرأينا، ولا يتأثر به، بل كان أحيانا يستخدم قوته ضدنا، بالرغم من الجهود المخلصة، والناجحة، التي لم تتوقف أبدا عن حل نزاعات الجوار، والحدود التي لنا معه. لقد تم ازدراء التعاون المخلص الذي قدمناه للسلطان، الذي ذهب بكل حماسته المرتجلة كشاب، ورجل نصف متحضر، إلى وكلاء قوة أخرى، من غير تفويض حقيقي؛ لقد أدى تأثير أولئك الوكلاء إلى تجاوزات، وإصلاحات سابقة لأوانها، كادت أن تكلفه، فقدان سلطته. يبدو لنا أن الثورة لن تكون أقل فداحة من مخطط اقتسام المغرب، الذي تم التحدث عنه رسميا، منذ بضعة أشهر، بن القوى المؤثرة، ويمكن للمرء أن يتفاجأ بالفعل، من أننا أيضا أخذنا ذلك التصور بالاعتبار. إن فكرة تفكيك المغرب نفسها، تبدو غير مقبولة، لكل من يريد ضمان هيمنة فرنسا، على شمال إفريقيا، أو ببساطة، الذين يرغبون في رؤية التطور السلمي لإمبراطورية المغرب. السياسة الوحيدة التي يجب اتباعها هي سياسة النزاهة، فقبول قوتين بالمغرب، يعني فتح سلسلة من الصعوبات بينها أولا، وثانيا بين القبائل المغربية، التي لا يمكن حلها دون بذل جهود مفرطة، من دروة الصحراء والمحيط الأطلسي حيث تافلالت، وإلى وجدة، بالرغم من خلل التماسك لدى تلك القبائل. إذا كان المغرب موحدا فيجب إبرازه وإظهاره: لا يمكن فصل فاس عن مراكش، ولا الرباط عن موغادور، علاوة عن ذلك، الأحداث التي وقعت ربما أخرت مناقشة هذه المشاريع، والتي قامت الثورة ب"تجريفها". نحن لا نريد من أجل التدليل على أن المحاولات المتكررة، والمفرحة في نفس الآن للإسبان، كانت تقصد الحفاظ على التفاهم مع فرنسا، أنجلترا نفسها تهدف لاعتبار الإضطرابات في فاس، شأنا داخليا، لا يقتضى تدخل قوة معزولة. خاصة ما جاء في تصريح وزير الخارجية الإسباني في 1903/1/5 الذي يوضح ذلك بقوله "في كل الأحداث التي تطرأ بالمغرب، لن تتصرف إسبانيا بمعزل عن قوة أخرى، ولكن بالتنسيق مع جميع الدول التي تتفق معها". وهو عكس ما كتبه الرئيس الحالي لمجلس الوزراء الإسباني السيد سيليفا، في مقاله المنشور بجريدة L lectora سنة 1900 الذي دعا فيه إلى اتفاقية فرنسية-إسبانية لتقسيم المغرب. دعوات تقسيم المغرب: وإذا لاحظنا تكرار تصريحات رجال الدولة والصحافة من خارج جبال البرانس، منذ الأحداث الأخيرة؛ يمكننا أن نستنتج أن مشاريع التقسيم التي جاءت ضد الوضعية السياسة، والإجتماعية، والجغرافية لإمبراطورية المغرب، أكثر ملاءمة مع مصالح السلطة الحاكمة في الجزائر، لأننا فقدنا كل اتساق مع جيراننا. لذلك وجدنا أنفسنا بلا ريب، في وضع جديد تماما، حيث حريتنا كاملة، وحيث وسائل التحرك، لا يمكن أن تعوزنا. لقد حان الوقت لإصلاح العيوب التي ارتكبت أحيانا في السنوات الأخيرة، من خلال أفعالنا غير الملائمة، وفي أغلب الأحيان، بسبب تقاعسنا أو شكوكنا، كان السلطان قادرا على إقناع نفسه بأنه كان سيستفيد من الاستماع إلى نصيحتنا، وأنه كان عليه أن يعطي مزيدا من الثقة في جاره، الذي اهتم كثيرا بتسوية مسألة الحدود، بما يخدم مصالح كل منهما. لم يعد احتلالنا للواحات الصحراوية سببا لاستياء المخزن تجاهنا، خاصة أن شؤون فكيك سويت، فكان بالإمكان استخدام هذا التعبير الدبلوماسي المواتي شيئا ما، والسماح لنا باستعادة الأرض التي احتلها الآخرون، وهي مفتوحة الآن. من الواضح أنه لا أحد في فرنسا يحلم بغزو المغرب، وكان ذلك في الحقيقة، بسبب تشكيل غريب للعقل عندما تحدث "المستعمرون"عن التوسع، كان البعض يعني على الفور، غزوا مسلحا، بل كانت تعني سياسة المراقبة، والعمل في نفس الوقت، هما ما يطرح علينا. لابد من التكرار باستمرار، أن فرنسا من خلال وضعها الجزائري، والإفريقي، تنوي أن تكون القوة المهيمنة في شمال إفريقيا، وأنه لا ينبغي لأي قوة أن تراقب بمزيد من الاهتمام الحذر، مع "اهتمام أكثر تفردا" كما قال وزير خارجيتنا ذات مرة "في الجمعية العامة، جلسة 1901/7/5" تطور البلد الذي يمتد إلى الغرب من مقاطعة وهران، والذي يعد مكملا جغرافيا، وطبيعيا، للجزاير-تونس. هذا الاهتمام الفردي، هذا التطوير لنفوذنا، يمكن ممارسته في النظام السياسي من ناحية، ومن خلال، تعزيز عمل مفوضيتنا في المغرب، ومن خلال تنصيبها دون شك بفاس، وبالقرب من المخزن نفسه، وفي طنجة التي توجد بالطبع أكثر بعدا، والتي لها ميزة أنها تستخدم أحيانا طريقنا الرئيسية لاختراق المغرب الذي يمتد من تلمسان إلى فاس، رابطة تجارتنا مع وهران-المغرب، وأيضا مع قواتنا الرائعة في فيلق وهران. ومن جهة أخرى عبر كبار مسؤولي البعثة العسكرية الذي نحتفظ بهم قرب المحيط الشريف من أمثال الدكتور ليناري، والقبطان لاراس، الذين قدموا لنا خدمات، وما يزال بإمكانهما تقديم الكثير منها عند الحاجة. دور إرسال البعثات العلمية للمغرب: ويمكن القيام أيضا بإرسالنا عددا من البعثات الدراسية لاستكشاف هذا البلد الذي ما تزال شبكة مسالكه مجهولة بالنسبة للفرنسيين، لدراسة العادات والحاجات وما يهتم به الناس في المغرب من أشياء، وفي بعض الأحيان التعريف بعمل فرنسابالجزائر، كما فعل بشكل جيد، من قبل إدمون دوتي، الذي كانت لجنته الخاصة بإفريقيا الفرنسية، سعيدة بتشجيع الجمهور الفرنسي، بسبب تركيزها النظر باهتمام أكبر، على الجانب الخاص بالمغرب. لقد عمل شهر الأزمة هذا على نشر اسم ومعرفة هذا البلد بيننا، الشيء الذي كان يجب أن يكون مألوفة لنا جميعا، بدل سنوات عديدة من الدعاية، والمؤتمرات والمطبوعات، لكن دعونا لا نسمح للفضول الذي أتقنه الجمهور غير الإستعماري، أن ينطفئ بشأن سؤال يجب أن يسمعه بشكل متكرر، حتى لا يفاجأ في كل مرة بوجوب اتخاذ إجراء ما. أخيرا بجانب السياسة، وجانبا الاستكشاف -وأحيانا إظهار مثال تونس- فوقهما، يمكن أن تكون التجارة والأعمال، بالمعنى الأعلى للمصطلح، أحد العناصر التي سيكون تطويرها، أكثر فائدة لعملنا في المغرب، من المرغوب فيه أن تنشئ فرنسا مصالح خاصة كبيرة هناك، تجارية أو مالية، ونعتقد أن حكومتنا لن تفشل في دعمها، أو حتى تشجيعها، مع العلم تماما أنها أقوى وسيلة للتأثير السياسي. هذه هي الإشكالية الرئيسية، لسياسة المراقبة والعمل التي تقدم لنا في هذه اللحظة، سوف تقوي بدون عنف، بدون ثورة، وضعنا في المغرب، لكن من المهم أن يخضع ممثلونا المتنوعون، والمفوضيات والحكومة الجزائرية، والبعثة العسكرية، لنفس الدافع، وأن يجعلوا الرأي العام، يشعر بالاهتمام المستمر، والتعاطف المستنير معهم. إن غلبة بلادنا في شمال إفريقيا، والتي يجب أن تكون أحد الأعمال الرأسمالية للتوسع الفرنسي، وبالتأكيد أهم الأعمال التي قامت بها، والتي تسعى إلى تحقيقها في الوقت الحالي، ستعتمد على الجزء الذي سنكون قادرين عليه، للإستفادة من الأحداث الأخيرة، التي بينت بشكل فريد، وضعا معقدا، وغامضا، على حسابنا. إفريقيا الفرنسية 1903 (ص:3-5).