الإثولوجيا Ethology هي علم سلوك الحيوان. وتمتلئ القنوات بالأفلام الوثائقية التي ترصد هذا السلوك وتدرسه وتذكر عددا من الحقائق المشتهرة عن عدد من الحيوانات، مما هو مقرر أو في طور الدراسة. وهذا العلم ليس غريبا، فقديما تكلم الناس عن الحيوان، وتداولوا حقائق عنه، بل ألف بعض العلماء من أمتنا في ذلك، ودونك كتاب الحيوان للجاحظ وكتاب حياة الحيوان للدميري، لتقف على عيون أخبار الحيوان وخصائصها وأوصافها. وشاع عند العرب قديما أمثال واصفة لعدد كبير من الحيوانات، صيغت بعد معاينة وملاحظة لسلوكها المتكرر. ومن ذلك قولهم: أجوع من ذئب، وأحذر من عصفور، وأجهل من حمار، وأسمع من قنفذ، وأشم من كلب، وأصدق من هرة، وأدهى من ثعلب، وأزنى من قرد … إلخ. ويتحدثون في الأفلام الوثائقية المذكورة عن سلوك عدد من الحيوانات، وأحيانا يتكلمون عنها بما يشبه الكلام عن الإنسان، ككونها تغار وتحسد وتحب وتخطط وتنتقم وتفرح، وغير ذلك مما هو من بواطن أمورها وليس من سلوكها الظاهر فقط. فإذا روى البخاري رحمه الله، عن التابعي عمرو بن ميمون أنه قال : (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ). انتفخت أوداج الطاعنين وامتلأت صدورهم بالإنكار، وفجروا في الخصومة، وقالوا مستهزئين: كيف يروي البخاري هذا العبث، وهل تزني القردة، وهل ترجم الزاني. وظنوا أنه ظفروا بما يسفهون به رواة الحديث. أرأيت كيف لا يتثبتون، ولا ينظرون في عواقب الأمور. ماذا حكى هذا التابعي الذي أدرك فترة الجاهلية، لكنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى مثله في اصطلاح المحدثين بالمخضرم، ولأجل هذا روى عنه البخاري هذه القصة ليثبت أنه مخضرم. فماذا حكى؟ حكى أنه رأى قردة عاشرها غير رفيقها الدائم معها، فسمى ذلك زنا، ورأى القردة يضربونها، فسمى الضرب رجما. هذا كلامه هو وليس كلاما مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفا على صحابي. ولا عليه رحمه الله، بل إنه يجوز له أن يصف ما شاهده بما يجعله عبرة، فيسمي وقاع القردة زنا وضربها رجما، فما العيب في ذلك ؟ أنسيتم ما يظل المعلقون في الأفلام الوثائقية يسمعوننا إياه عن الحيوان البهيم: يقولون: يفرح ويحب ويحسد ويغار… فما لكم لا تستغربون؟ أم أن عيب عمرو بن ميمون رحمه الله، أنه لم يستخدم الكاميرا ليوثق مشاهدته؟! وماذا فعل البخاري أكثر من توثيق هذا الخبر من عالم الإثولوجيا؟ ولا بدع، فصحيح البخاري وكتب الحديث عامة، ليس فيها أحاديث الأحكام الشرعية فقط، بل فيها الإخبارات إما الماضية أو المستقبلة مما فيه عبرة للمعتبر. ووالله إن في هذا السلوك الحيواني لعبرة وفائدة للبشر، مثلما أفاد الغراب ابن آدم في دفن أخيه، كما حكى لنا القرءان. وهذه الدواب أمم أمثالنا بنص القرءان الكريم، ويكفي في المماثلة بعض الأوصاف وليس الجميع. وقد وثق المستكشفون من عجائب سلوك هذه الأمم الحيوانية ما تدهش له العقول. فما أحوج بشر هذا العصر (إلا الطيبون الطاهرون) الذين انتزعوا بجدارة وصف القرد بكثرة الزنا كما قالت العرب، ونقلناه آنفا، إذ يصح أن نقول: أزنى من بشر القرن الحادي والعشرين (إلا الطيبون الطاهرون). ما أحوج هؤلاء البشر، إلى غيرة أولئك القرود حين استنكروا فعل تلك القردة ورجموها هي والقرد الزاني، كما ورد في رواية مفصلة في مستخرج الإسماعيلي على الصحيح. ولا نكير على عمرو بن ميمون في استعمال مصطلحي الزنا والرجم، لأنه يمتاح من ثقافته الشرعية. ولو أن مصورا من بشر هذا العصر، من صنف الشهوانيين خصوصا رأى هذا النازلة، لوصفها كالآتي: رأيت قردة لطيفة انسلت من ذراع رفيقها الهرم ولحقت بقرد رشيق وصعدا شجرة في مشهد رومانسي قل نظيره. ثم إذا رأى القرد الهرم يثور ويضربهما، لقال: إنه يثور من أجل إبقاء السيطرة على القطيع. والله هكذا نظل نسمع في الأفلام الوثائقية ولا أحد ينكر أو يعترض. فيا أيها الطاعنون أرأيتم كيف قادكم شره الإنكار إلى أن تقفوا في وجه البحث العلمي والاكتشافات البرية وعلم الإثولوجيا الذي يوقفنا على عجائب الحيوانات!