تستهدف عملية التقويم في مادة التربية الإسلامية الوقوف على مدى تمكن المتعلمين من الكفايات المسطرة في منهاج المادة في مختلف جوانبها المعرفية و المهارية والقيمية، ويتم ذلك من خلال وضعيات تقويمية (مشكلة) تربط المتعلم بواقعه المعيش وتضعه في نفس الوقت في مأزق وورطة تدفعه للتصرف الذي من المفروض أن يكون منسجما مع ما درس في مداخل المادة المسطرة في المنهاج، حتى يتسنى له استجلاب المناسب منه واستثماره لإيجاد الحل الملائم للمهام والأسئلة المطروحة. بناء على ما سبق فإن نموذج الامتحان المنجز للجهوي أحرار والذي أسال الكثير من المداد، تهكما واستهزاء وتحريضا ونقدا غير بناء، واستصدارا لأحكام قيمة دون تريث ولا تقص، كان محاولة من اللجنة المكلفة لتصحيح مجموعة من الاشكالات والأفكار الرائجة في صفوف فئة من الشباب حول قضية الديانات الابراهيمية التي أثيرت في الآونة الأخيرة، وعليه فنذكر بما يلي: أ- أما الوضعية التقويمية، فإذا استحضرنا معايير وخصائص من قبيل: أن تكون دالة (لها سياق مرتبط بالمتعلم ولها معنى بالنسبة إليه) وأن تكون مركبة بحيث تكون على درجة من التعقيد، وتضم أكثر من عنصر ومعبئة لمختلف الموارد السابقة، وأن يتم التعامل مع المداخل وفق رؤية متكاملة ومنسجمة، فإن اللجنة التي أعدت النموذج قد أفلحت إلى حد كبير في الالتزام بمعايير وخصائص الأداة التقويمية مستحضرة الفئة المستهدفة (أحرار) موجهة إياها لاستثمار وإدماج مكتسباتها السابقة خاصة تلك المدروسة في الثانية بكالوريا لإنجاز مجموعة من المهام استهدفت أساسا تصحيح ما يروج من أفكار مغلوطة حول الإسلام الدين العالمي الصالح لكل زمان ومكان باسم المواكبة للمستجدات، كل ذلك في استحضار تام لوظيفية المعرفة المدرسة في مادة التربية الإسلامية وصميميتها. ب– أما الرأيان محل البلبلة الإعلامية والأحكام الجائرة المسبقة للوضعية الجريئة والمناسبة (رأي شيماء الذي يدعو فيه إلى الجمع بين الشرائع السماوية والدين الإسلامي في دين واحد مستدلا له بالآية 123 من سورة النحل "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، ورأي أنس الذي وسم الشريعة الإسلامية بالجمود وعدم مسايرتها لمستجدات العصر تحت ذريعة إغلاق باب الاجتهاد) فهما محور الإشكالية التي خرجت عن المعهود والنمطية – في تضمين الوضعية المشكلة لرأيين متناقضين أحدهما يسعى التلميذ في المهام المنوطة إليه بتعليله والاستشهاد له وهو الموافق للشريعة الإسلامية في حين يسعى إلى تفنيد المخالف لها-، لتتبنى طرحا جديدا استفزازيا يهدف إلى خلق زوبعة ذهنية لدى المترشح سيسعى من خلال التوظيف المناسب للأسناد المساعدة –(الآية 4 من سورة المائدة) "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وكذا السند الثاني للمؤرخ الإنجليزي" ولزان" في كتاب "من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم" الذي نفى الجمود عن الشريعة الإسلامية وأثبت صلاحيتها لكل زمان ومكان، -والمهام المطلوبة إلى كشف اللثام عن الحل الأمثل للوضعية المشكلة مستثمرا دروس المداخل المناسبة من المنهاج المقرر وفق الإطار المرجعي للسنة الثانية بكالوريا أحرار. ت– أما المهام المطلوبة من خلال الأسئلة فقد صيغت بشكل محكم احترم جدول التخصيص المسطر في الإطار المرجعي كما استجد فيه أيضا الخروج عن المألوف في صياغة الأسئلة وجعل التعبير عن مواقف المترشح متضمنة في تحليل رأيي الإشكالية مستعينا بما درسه من دروس مداخل المنهاج المناسبة والسورة المقررة ومستثمرا لكفايات الاستنباط والتحليل والتركيب وغيرها والتي من الواجب أن يكون قد تمرن عليها فترة الاستعداد للاستحقاق الجهوي…وهذا مما سيقطع من جهة مع الطرح التقليدي للأسئلة المباشرة التي تعتمد الاجترار دون الوظيفية والعملية، ومن جهة أخرى سيقطع أيضا مع بعض الظواهر التي تظهر ببعض مراكز الامتحان من الغش والتسريب وغيرهما…ومن جهة ثالثة سيضفي الصفة العلمية العملية لمادة التربية الإسلامية التي لطالما نودي في الندوات والتكوينات والأيام التأطيرية بتفعيلها وأجرأتها، وعليه فإن الزعم بأن المتعلم أو المترشح في هذا المستوى لا يرقى لدرجة التعاطي الايجابي مع هذه الوضعية فهذا من جهة يسائل الممارسة المهنية داخل الفصول الدراسية وإلى أي حد تلتزم بمقتضيات المنهاج وفلسفته واختياراته تدريسا وتقويما، وهذا يعين عليه طبعا نوعية وجودة التأطير الذي يستفيد منه الأستاذ في إطار التكوين المستمر والأساس قبل ذلك كله دون إغفال دور التكوين الذاتي في الرقي بالممارسة المهنية. من جهة أخرى فإن واضعي الإمتحان لم يطرحوا سؤالا مفتوحا بعدها كأن يطلبوا من المترشح تحليل ومناقشة الوضعية دون توجيه للمعارف والمهارات والقيم المناسبة المعينة على إيجاد الحل أو الوصول للجواب الصحيح والسليم. لكل ما سبق نتعجب بكل أسى وأسف للهجمة الشرسة على هذا الامتحان الذي نراه نموذجيا قلبا وقالبا، وأن يساء فهم الامتحان من أهل التربية والتعليم الذين من المفروض أن يلجأ إليهم للرقي بالعمل التربوي البيداغوجي والديداكتيكي للمادة تدريسا وتقويما، فنقول زادنا الله وإياكم حرصا. ذلك تأويل مالم تستطيعوا عليه صبرا. والله تعالى أعلى وأعلم ونسبة العلم إليه أسلم والحمد لله رب العالمين.