تأسست الجمعيات النسائية، في البداية، من أجل الحصول على المطالب الاقتصادية العادلة، ثم انتقلت إلى المطالبة بالحقوق في المجال السياسي، وسرعان ما تطورت تلك الأفكار مع الكاتبة الفرنسية «سيمون دي بوفوار» «Simone de Beauvoir» إلى المطالبة بتَحَكّم النساء في أجسادهن والمطالبة بالاعتراف بفردانية المرأة. وقد شكلت هذه الأفكار وغيرها تمهيدا لبناء نظرية "الهوية الجندرية"، واستحداث مفاهيم وقيم جديدة ستشكل لبنة لبناء الفلسفة النسائية المبثوثة في عالمنا اليوم. وركزت الحركات النسائية في خطاباتها على إحداث تغيير مجتمعي شامل، يبدأ بإسناد العناية بالأطفال وتربيتهم إلى المجتمع، وهذا سيحرر المرأة من العمل المنزلي المرهق، كما أن خروجها إلى العمل سيؤمنها اقتصاديا، وهذا كفيل، حسب زعمهن، بزوال شكل الأسرة القائم على سيطرة الرجل الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك ستتحقق المساواة بين الرجل والمرأة مع بقاء العلاقات الإنسانية القائمة على الحب المتبادل فقط. وبعد السبعينات بدأ التنظير للفكر المِثلي عبر تيار جديد سمي «بتيار النساء المثليات أو السحاقيات»، ويرى هذا التوجه المتطرف بأن التمييز بين الرجل والمرأة يتبلور بشكل أساسي في العلاقات الجنسية بينهما، ولمحاربة هذا التمييز ينبغي اجتثاث هذه العلاقة وخلق علاقات مثلية يكون الطرفان فيها متساويين، واعتبرت «روبين مورجان» Robin Morgan»» أن النساء شعب مستعمر، وأن الرجال استعمروا أجسادهن، بحيث يتم إجبارهن على الإنجاب دون ضمانات من قبل الرجل… وقد تطور خطاب الحركات النسائية بعد انفتاحها على المجتمع الدولي وتبني الأممالمتحدة لمطلب القضاء على التمييز ضد المرأة والأسرة، حيث أضحت تطالب بالمساواة المطلقة بين الجنسين وإشراك الرجل في المجالات التي كانت مقصورة على النساء من باب التشارك واقتسام المسؤوليات العامة وخاصة في الفضاء الأسري. وأكدت الحركة النسائية بعد ذلك على أن النساء لسن بحاجة للمساواة فقط بل أيضًا للتمكين، الذي يتحقق بالتأثير على علاقات القوة التي تُعيق فرص النساء واستقلاليتهن وتؤثر سلبًا على صحتهن ورفاهيتهن… كما رفضت المنظمات النسائية وجود صفات وأدوار تقوم على أساس الجنس، ودعت إلى قيام ثورة بيولوجية تلغي الفروق بين الجنسين والأدوار الجندرية، ورفضت الصفات الأنثوية التي تعطي المرأة صفة الضعف، وأكدت على ضرورة القضاء على النظام الأبوي، حيث اعتبرت أن العائلة هي مصدر أساسي وأولي لاضطهاد المرأة، لذك دعت إلى إنشاء قوة نسائية تتمثل في المؤسسات تعمل على قطع العلاقة بالرجل والاعتماد على النفس، وإيجاد مجتمع نسائي موحد بعيدا عن سيطرة وهيمنة الرجل… ومع توالي السنين استطاعت هذه المنظمات أن تُثبت وجودها عن طريق التأثير في قرارات المؤتمرات العالمية وفي منظمة الأممالمتحدة لاستصدار توصيات تخدم أفكارها الهدامة، وقد بدأ هذا التحول منذ مؤتمر «مكسيكو سيتي» للسكان سنة 1984، حيث جاء في إحدى توصياته «تعترف خطة العمل العالمية للسكان والأسرة، بأشكالها المتعددة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، والأسرة مرت ولا تزال تمر، بتغيرات أساسية في بنيتها ووظيفتها»، وهكذا بدأ مفهوم "الأسرة اللانمطية" الذي يمكن أن يستوعب جميع العلاقات الممكنة (رجل/ امرأة)، (رجل/ رجل)، (امرأة/ امرأة)، وتبنى مؤتمر «بكين» للمرأة سنة 1995 نفس المفهوم، حيث أشار إلى أنه «توجد أشكال مختلفة للأسر في الأنظمة الثقافية والسياسية والاجتماعية المختلفة»… وفي سنة 1994 دعت وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان إلى إزالة كل العقبات أمام العلاقات الشاذة، حيث جاء فيها: «ينبغي القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى»، كما أكدت على ضرورة إعطاء الفتاة الحق في تحديد هويتها الجنسية، ومن ثم تحديد توجهها الجنسي… واعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرها عام 2008 السجن بسبب العلاقات المثلية (الشذوذ الجنسي) «عنفا»، ومخالفة صريحة لمعايير حقوق الإنسان الدولية، وأكدت في ذات التقرير على ضرورة حماية «حقوق المتحولين جنسيا»… وجاء وثيقة مؤتمر بكين لتؤكد على تشجيع الممارسة الجنسية بين المراهقين، أي تدريبهم على الطرق المختلفة لإشباع الغريزة الجنسية خاصة من خلال "العادة السرية"، أو "الشذوذ الجنسي"، أو "الجنس الفموي"، باعتبارها، في نظرهم، أفضل السبل، وأكثرها أمانا للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، أو الوقوع في الحمل غير المرغوب فيه. وفي ذات السياق، نصت تقارير وتوصيات المؤتمرات الأممية الموالية لهذه المنظمات النسائية على المساواة في الاستحقاقات الأسرية المتعلقة بقضايا الميراث وحيازة الأملاك والتحكم فيها، وأكدت على ضرورة دراسة كل ما تبقى من أحكام تشريعية تمييزية في المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وفي قانون العقوبات، والقانون المدني، بغية إبطال جميع القوانين والأنظمة التي تميز ضد المرأة، فيما يتصل بالحقوق المتعلقة بالجنسية، والإرث، وحيازة الأملاك والتحكم فيها …. ولا شك أن خطورة هذه الأفكار على الأسرة المسلمة تكمن في اتخاذها من المواثيق الدولية مصدرا لها، وهذا ما جعل الدول الإسلامية تلجأ مرارا إلى تعديل مدونة الأسرة لملاءمتها شيئا فشيئا مع القرارات الأممية، وفي كل مرة تسعى إلى توسيع دائرة الاستجابة لرغبات النساء على حساب شريعة الرحمن، وهذا ما يهدد الأسرة الفطرية لصالح ما يسمى بالأسرة «اللانمطية»…