مرت مسألة القوانين بالمغرب عبر مراحل تاريخية، في البدأ كانت هذه القوانين عبارة عن ظهائر سلطانية وفتاوى فقهية وقرارات قضائية، ولم تكن مدونة على شكل بنود قانونية مرجعية للقضاة والحكام، إذ كانت المادة الفقهية عند العلماء هي القانون الأساس المنظم لحياة المغاربة أفرادا وجماعات ومؤسسات ومن بين هذه القوانين فقه الأسرة. فلقد كان فقه الأسرة المغربية إسلامي مالكي المرجع والنشأة والامتداد، معتمَدا في مجالس القضاة، وحتى الاستعمار الفرنسي لم يتجرأ عند دخوله للمغرب على تحريف مضامين هذه المدونة لعلمه مدى قداستها بالنسبة للمغاربة. فالأسرة في المفهوم المغربي جماعة مبنية على العفة والفضيلة هدفها الاستقرار وتحصين النفس والمجتمع من الانحراف، والمشاركة في بناء هذا المجتمع بأفراد صالحين، ولم يكن الطلاق في المجتمع المغربي شائعا كما عليه الحال يومنا هذا، بل كانت الرابطة الزوجية مبنية على الدوام يحتسب فيها الشريكان الأجر والفضل من عند الله سبحانه. لكن الاستعمار الفرنسي وان لم يتدخل أول الأمر في تحريف هذه المدونة؛ فإنه سعى إلى تحريف مفهوم الأسرة داخل المجتمع المغربي بإدخال ثقافة دخيلة تتمثل في طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين الآباء والأبناء، وطبيعة العقوبات الجنائية حول المحرمات التي تستهدف استقرار الأسرة، وهذا ما بلوره القانون الجنائي الذي كرسته فرنسا داخل المغرب، ليكون هذا القانون في واد والأسرة المغربية في واد آخر. ثم أخذ التدخل الفرنسي يتضح جليا في دعمه العلني للجمعيات والمنظمات النسائية والحقوقية، التي نادت ولا زالت تنادي بضرورة مراجعة هذه المدونة وقطع صلتها بالشريعة الإسلامية بحجة عدم مسايرتها العصر!!، وكأن الإسلام دين مرحلة زمانية ولت وأن المسلمين اليوم في حاجة إلى دين جديد يضع كل القيود والضوابط المحصنة للأسرة من الفاحشة!!! إن النظرة العلمانية للأسرة نظرة سطحية خالصة، فالأسرة كما أشرت في بداية المقال مؤسسة جماعية تهدف لتأسيس الفرد الصالح لبناء مجتمع صالح، فعندما يتزوج الشاب بشابة طلبا للعفاف فهذا يعني القطيعة مع الفاحشة، وهذا غير مقصود في العقل العلماني المطالب بالحريات الفردية الإباحية التي لا تلتقي أبدا مع مفهوم الأسرة المغربية. وعليه فإن الطرح العلماني اليوم يتدخل بشكل سافر في أهم خصوصيات المجتمع المغربي، محاولا فرض صوت أقلية شاذة على الأغلبية المسلمة بطرق أقل ما يقال عنها بأنها طرق خبيثة تحاول القفز على اختيارات مجتمع مسلم والسطو على قوانينه وشريعته قصد استعباده بقوانين إباحية مدمرة لاستقراره. إن مدونة الأسرة المغربية التي عُدِّلَت سنة 2004 -أي 18 سنة إلى الآن- مطالبة بالجواب على السؤال التالي: هل كانت بنود هذه المدونة في صالح الأسرة المغربية؟؟ إن الإجابة عن هذا السؤال كفيل بمعرفة جدوى المطالبة بتعديل آخر، لكن يجب أن يكون الجواب جوابا صادقا بعيدا عن الكذب والتزييف، فالكل يعلم أن الأسرة المغربية قبل 2004 كانت أسرة مطمئنة، فالزواج كان شائعا سواء الزواج الأول أو زواج التعدد، وكانت نسبة الطلاق نسبة ضعيفة، وكانت ظاهرة الأبناء غير الشرعيين ضعيفة أيضا، أما بعد مدونة 2004 فالواقع يعلمه الجميع ولا يحتاج إلى كثرة شرح وتفسير. من هنا كان لزاما على العقلاء النظر في مآلات هذا الإصلاح المنشود للمدونة، ماذا نريد لهذا الوطن؟؟ هل نريد له الصلاح؟؟ هل نريد حماية الأطفال من التشرد؟؟ هل نريد وقف انتشار فاحشة الزنا؟؟ هل نريد وقف ظاهرة العنوسة؟؟ هل نريد وقف ظاهرة الطلاق؟؟ إذا كنا حقا نريد هذا لوطننا وأسرنا فالحل هو الرجوع إلى مدونة ما قبل 2004!!! يجب أن تكون لنا الجرأة لقول هذا، فالاستمرار في طريق منحرف لن يوصلنا إلى الهدف، الطريق الصحيحة هي الموصلة بلا شك، وهذا ما لا يريده الصف العلماني الحاقد على قيم الطهر والفضيلة. ثم إنني أتساءل: هل المغاربة اليوم بحاجة لخوض معركة تعديل مدونة الأسرة؟؟؟ لماذا لا يخوض العلمانيون معركة محاربة الفقر والأمية وإصلاح الصحة والتعليم والشغل والعدل؟؟ الجواب: لأنهم فاشلون في كل هذا، وهم سبب الفشل في كل شيء، فلم يتبقى سوى الحديث عن المدونة التي ترمز لمرجعية المغاربة في دينهم وأخلاقهم. إن المدونة المغربية للأسرة التي نأمل الحصول عليها اليوم هي المدونة الأصيلة المجسدة لمفهوم الأسرة كما عرفها المغاربة في تاريخهم العريق، وليس أسرة مشوهة معاقة لا هي قادرة على الحفاظ على أصالتها ولا هي قادرة على معاصرة واقعها… والله غالب على أمره…