هوية بريس – الجمعة 06 دجنبر 2013م الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: كثيرة هي المصائب التي تعاني منها أمة الإسلام؛ فمن استهزاء بالمقدسات، إلى إنكار لأصول العقيدة، ومن تضعيف للأحاديث الصحيحة والمتواترة بالهوى، إلى جعل المسائل الفقهية قضايا للتنادر والقهقهة. وما أن ننسى ملفا من الملفات الساخنة التي يستفزنا بها أبناء جلدتنا حتى نستيقظ على خبر أدهى وأمر ينسيك الماضي ويأخذ منك جهدا مضنيا لنقاشه وإقناع الآخرين بعواره. وفي الأيام الأخيرة نبح أحدهم بصوت مبحوح مطالبا باعتماد العامية في المدارس الابتدائية. والحجة أن التلاميذ الصغار لا يفهمون اللغة العربية الفصحى. والحقيقة أن هؤلاء القوم يجيدون النفاق، ويعرفون من أين تؤكل الكتف، وذلك أن هؤلاء لهم مشروع أيديولوجي يريدون فرضه على الشعوب المسلمة لكنهم يصطدمون بمناعة قوية لدى الشعوب المتمسكة بدينها. وقد جربوا أن تصريحهم بمشروعهم التخريبي ينفر الشعوب ويوجه إليهم سهام النقد، الأمر الذي يعطي نتائج عكسية، حيث يستيقظ النومان وينتبه الوسنان، ومن ثم لا مناص من تغيير الخطة واللعب على المصطلحات وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، ولم لا الظهور مظهر الناصح الأمين والغيور على مقومة الأمة ودينها. والغريب أن كثيرا من خصوم الداخل حين تناقشهم في أفكارهم الهدامة يصرح لك أن ما يدعو إليه هو الأصلح للأمة، وفيه تحصين للمرجعية، وعلى سبيل المثال فقد ضعف بعض الألفبائييين -يعني أن علمهم لم يتجاوز ألف باء- أحاديث في صحيح البخاري بعقله، ولما سئل عن الدافع لهذا أجاب بقوله: إن هذه الأحاديث فيها إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، تشابهت قلوبهم فاتفقت ألفاظهم، ألم يبد فرعون تخوفه من موسى أن يغير دين قومه وأن يظهر في الأرض الفساد؟ وإذا أصبح فرعون واعظا فعلى الدنيا السلام!! الحجة نفسها استعملها هذا المدسوس حين دعا إلى اعتماد العامية في المقررات الدراسية، فالحجة هي مخاطبة التلاميذ باللغة التي تعلموها من أمهاتهم لغة التواصل اليومي، ولكن هل يصدق أحد من العقلاء أن هذا هو المقصود؟ لمعرفة الحقيقة لا بد من نبش الذاكرة والبحث عبر صفحات التاريخ، اقرئوا التاريخ إذ فيه العبر — ضل قوم ليس يدرون الخبر والتاريخ يحدثنا أن التعلم باللغة العربية الفصحى ظل هو المعتمد في تاريخ المغرب، ومن خلاله تخرج فطاحل العلماء ودهاقنة العلوم، ليس في علوم الشريعة فحسب، ولكن في شتى العلوم. ولم يكن التعليم باللغة العربية حائلا بينهم وبين الوصول إلى سنام هذه العلوم، وأمر آخر جدير بالاهتمام أن المسلم الذي ينتمي إلى هذه الأمة انتماء حقيقيا ينظر إلى اللغة العربية على أنها من الدين، لأنها الوسيلة للفهم المعمق في علوم الشريعة، وعلى قدر الضعف في اللغة العربية يكون الضعف في علوم الشريعة قرءانا وسنة. ومن هنا فإن الداعين إلى اعتماد العامية في التدريس عجزوا أن يصرحوا بمقصودهم فبحثوا له عن مسوغات وإن كانت تافهة، ثم إن الدعوة إلى العامية ليست من بنات أفكار هؤلاء المدسوسين، فهؤلاء المساكين أبواق فقط، أما الحقيقة التي لا شك فيها: هي أن أول من دعا إلى اعتماد العامية هم المستشرقون، وقد كشف هذا المخطط كثير ممن صال وجال مع خصوم اللغة العربية، ومن هؤلاء المخلصين: العلامة الذكي والأديب الألمعي الشيخ محمود محمد شاكر في كثير من كتبه. إن القضية ليست كون التلاميذ الصغار لا يفهمون الفصحى وإنما هي مكيدة تهدف إلى إبعاد الأمة عن مقومات حضارتها وعوامل نهضتها، ومنها الثقة بالذات، وعدم الذوبان في ثقافة الآخرين، لكن الفرانكفونيين من أبناء جلدتنا قد سلبوا الإرادة وأصبحوا كحال من ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون. لا أخفي سرا أني حاولت أن أتماهى جدلا مع هذا الطرح، وتصورت أن أستاذة العلوم الطبيعية تشرح للتلاميذ الأعضاء التناسلية لدى الرجل والمرأة، وبدأت تنطقها كما ينطقها السفهاء في الأزقة، والقسم مكون من الذكور والإناث، وإذا بالمسكينة يعلوها العرق ويحمر وجهها وتثقل الألفاظ على لسانها؛ أما التلاميذ فقد بدأوا بالتمايل يمينا وشمالا، وبعضهم استلقى على ظهره من كثرة الضحك، أما الفتاة الحيية فقد سمر المشاغبون أبصارهم نحوها، ناهيك عن ألفاظ التحرش التي انطلقت من هنا وهناك، فهل بقي شيء من أجواء الدرس؟ أهكذا يخطط لنا من بعثوا أولادهم للتعلم في فرنسا؟ ألا واأسفا على درة عمر! فما أحوجنا والله إليها وإلا ما تكلم السفهاء، وقد قيل لفرعون: ما الذي فرعنك؟ فقال: لأني لم أجد من يردعني. ومن لم يردعه الحياء فليقل ما شاء. لقد هزلت حتى بدى من هزالها — كلاها وحتى سامها كل مفلس