الذي حصل بالضبط، وبلا مقدمات، وبغض النظر عن كل الذي قيل ويقال، هو أن دولة عربية، اسمها قطر، استطاعت أن تنظم أكبر تظاهرة رياضية، تهم كرة القدم ؛ اللعبة الأكثر شعبية وشهرة في العالم ؛ والمؤكد أن هذا الحدث، بهذه الصفة، ينطوي على خلاصات كثيرة تهمنا، أشير منها إلى مايلي : أولا : لقد استطاعت دولة عربية، تحتل مساحة جغرافية صغيرة، وتنتمي إلى العالم الثالث، أولا تحسب على البلاد المتقدمة، أن تنال شرف تنظيم أكبر تظاهرة رياضية، تخص كرة القدم ؛ وواضح جدا، أن الظفر بهذا الإستحقاق، ليس بالأمر السهل، ويتطلب شروطا وفروضا وإمكانات وضمانات، من مستويات جد متقدمة، ما يعني أن دولة قطر، بذلت مجهودات كبيرة، ورصدت إمكانات هائلة، مادية وغير مادية، واستطاعت بالفعل أن تقنع (الفيفا)، بقدرتها المستحقة، دون غيرها، على تنظيم هذه التظاهرة العالمية ؛ ويبدو أن النتائج كانت مقنعة، وأن الأهداف كانت متحققة، على الأقل، على مستوى البنيات، والتجهيزات والملاعب، والوسائل (اللوجستيكية)، والتقنيات المتطورة، التي تم اعتمادها. ثانيا : تأسيسا على ما تقدم ؛ نستطيع أن نفهم، فيما يخصنا، بما نحن عرب، وغير عرب، ننتمي إلى ما يسمى بالبلاد المتخلفة، أننا نستطيع حين نريد، وأننا نقدر حين يصح منا العزم، وأن مشكلتنا ليست في عروبتنا، أوفي أمازيغيتنا، ولا حتى في تخلفنا الحالي، وإنما مشكلتنا الأساس، تكمن في كوننا لا نريد، ولا نمتلك الرغبة الحقيقية والكافية، لمغادرة دائرة المتخلفين والمتخاذلين والغشاشين، والإلتحاق بركب المتقدمين، لأسباب كثيرة ومتداخلة، ثقافية وسياسية، لها علاقة مباشرة، بطريقة تفكيرنا في تدبير وجودنا في هذا العالم، وبطريقة تفكيرنا في السياسة، وما تعنيه بالنسبة لمجتمعاتنا ؛ ويوم نمتلك الإرادة الجماعية، والحقيقية للنهوض، وإقامة العمران، سننجح في ذلك لا محالة. ثالثا : ولذلك رغم كل ما يمكن أن يقال، ورغم كل الملاحظات التي يمكن أن نبديها، حول طريقة تدبير دولة قطر للكثير من الملفات والقضايا، لا نملك مبدئيا، إلا الإحتفال بهذا الإنجاز الرياضي والسياسي، الذي يبدو محفزا، ويمثل إشارة دالة وقوية، وإحدى البدايات المعقولة، التي ينتظر أن تستفيد منها كل البلاد العربية، وغير العربية المتخلفة، والتي يراد لها أن تبقى متخلفة ؛ ولنا أن نستحضر هنا، بكل أسف، تلك الهجمة المضرية الغربية والغريبة، التي ووجهت بها دولة قطر، منذ اختيارها لاحتضان هذا العرس الرياضي، وكيف لم تستسغ العديد من الدوائر الأوربية الإمبريالية، معنى أن تحظى دولة عربية، بشرف تنظيم تظاهرة من هذا الحجم، ثم تنجح في ذلك، فأطلقت العنان لسيل من الإنتقادات والأقاويل، عبرأذرعها الإعلامية، وغير الإعلامية، التي نشطت في إثارة العديد من القضايا والإشكالات، من طبيعة سياسية وحقوقية، ولغايات أيضا سياسية، وغير معقولة، بالنظر إلى التوقيت الذي تم اختياره لهذه الحملة المغرضة، ماحدا برئيس (الفيفا) إلى نعت هذه الإرتدادات الأوربية بالنفاق، الذي يتحدث عن أشياء، ويريد أشياء أخرى ؛ ينتقد سياسة قطر الداخلية، في العلن، ويريد مالها ونفطها واستثماراتها، في السر. ليس مؤكدا، أن تفوز قطر بكأس العالم، ولكن المؤكد، أنها فازت بتنظيمها، ونجحت في ذلك، مبدئيا على الأقل، ليتأكد لكل البلاد المتخلفة معها، أنها تستطيع حين تريد.