توفيت يوم الأحد 26 من شتنبر 2022 عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، التي تعنى بمساعدة الأمهات من زنا والأطفال المتخلى عنهم وضحايا الاغتصاب. قضت عائشة مرحلة كبيرة من حياتها وهي تحاول مقاربة معضلة الزنا، وما يترتب عنها من أطفال غير شرعيين، وأمهات من غير أزواج، و"جرائم الشرف"، والتفكك الأسري، والأمراض النفسية، وظاهرة الانتحار.. السلوك المقزز الذي رافق هذا الحدث؛ هو استغلال موت عائشة -رحمها الله- والمجهودات الكبيرة التي كانت تبذلها.. من طرف المنظرين فكريا لشيوع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والمشجعين عليها عبر وسائل الإعلام والسينما والفن وغيرها. هذه الفئة الشاذة التي تطالب برفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية وإباحة الإجهاض، تاجرت بموت إنسانة ومسارها النضالي، بطريقة أقل ما يقال عنها أنها وضيعة ومنحطة. لم تكن الراحلة صاحبة فكر وتنظير وإنما هي مواطنة وفاعلة جمعوية عملت في أرض الميدان، وحاولت جاهدة أن تعالج اختلالا كان يتراقص أمام عينيها، وواقعا فاسدا تغرق فيه المرأة المغربة يوما بعد آخر، ساهم فيه وبشكل كبير من يحاول الركوب اليوم على نضال عائشة، ليسوّق لمنظومة فاسدة دخيلة. قد تكون لعائشة رحمها الله أخطاء، وبالتأكيد لها أخطاء فهي بشر، لكنها لم تكن تنظّر لإباحة "العلاقات الرضائية"، أو تطالب برفع التجريم عن الزنا، كحال وزير العدل السابق، وعضو المكتب التنفيذي الحالي لحزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، الذي سبق وأعلن بأن "العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين بدون عنف لا تعني المجتمع". ذلك أن الشنة صرحت بقولها "لا يمكنني وأنا أعيش في دولة إسلامية أن أحلل ما حرمه الله..". وهي من نصحت الفتاة نصيحةَ من خبرت واقع من تورطت في علاقة غير شرعية، ترتب عنها حمل، فقالت بالحرف: "إذا قال لك -أي الشاب- تنبغيك. قولي له: تا أنا.. ولكن شد يدك عندك، لأنكِ إذا حملت (سفاحا) ستحملين المشاكل والصعوبات، وتخسري دراستك ووالديك والطفل الذي تأتين به إلى هذه الدنيا"، "هذه مسؤولية كبيرة عليك وداكْ الكلام الحلو والغراميات لاتصدقيه". بهذه الكلمات العفوية لخَّصت الشنا معاناة آلاف النساء من تبعات الزنا والحمل من سفاح، وعواقب "العلاقات الرضائية"، التي يتحرزون عن تسميتها بالزنا، ليتبين بذلك أن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج تعني المجتمع كثيرا، بل قد تصيبه في مقتل، إن لم يأخذ أمرها على محمل الجد. وما دمنا جميعا مسلمين فقد كان يكفينا تحذير العليم الخبير في محكم التنزيل إذا قال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}. وسبيله هو ما كانت الشنا تحاول رتق بكارته. فهل يعقل أن تكون تكلفة نزوة عابرة أو موقف طائش هدر حقوق آلاف الأطفال وتوريط النساء وأسرهم في معاناة كبيرة قد تنتهي بالقتل أو الانتحار أو التشريد أو العيش على هامش المجتمع؟ لقد رحلت عنا عائشة الشنا، لكن معضلة الأمهات من زنا والأبناء غير الشرعيين لازالت قائمة، وستظل كذلك، ما دام مجتمعنا يعاني من البطالة والعنوسة وارتفاع معدلات الطلاق، وما دام بيننا من يحْدث صراعا بين الجنسين وحالة تقاطب بين الذكر والأنثى، وينظِّر لحرية "العلاقات الجنسية" دون قيد ديني أو أخلاقي.