كان العالم والمهندس المغربي رشيد يزمي من أول الداعين بالمغرب إلى تشييد مصنع لبطاريات لليثيوم. واليوم أعلن وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، عن مفاوضات جارية من أجل تشييد مصنع ضخم لصناعة بطاريات الليثيوم الخاصة بالسيارات الكهربائية. في هذا الحوار مع SNRTnews يخوض يزمي في أبعاد تحدي دخول سوق صناعة بطاريات بالنسبة للمغرب، غير أنه يشدد على ضرورة الحرص على اختيار شريك مصنّع مشهود له بمراعاة الجودة ومعايير السلامة، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أنه يتوجب التفكير في سلسلة إنتاج مترابطة، تبدأ من التعدين وتنتهي عند الإنتاج والابتكار، لأن سوق الطاقة هو المستقبل. – كنتم دعوتم إلى تشييد مصنع لبطاريات الليثيوم. وفي الأيام الأخيرة أعلن وزير الصناعة رياض مزور عن الدخول في مفاوضات مع شركة عالمية لبناء مصنع مغربي. كيف تلقيتم الخبر؟ عموما هو خبر سار، كنت أعلم بوجود اتصالات مغربية بعدة مُصنعين عالميين، لكنني لا أتوفر على التفاصيل. وقد اطلعت على ما نقلته وسائل الإعلان عن وزير الصناعة والتجارة، السيد رياض مزور. وهي سابقة بأن يتحدث مسؤول حكومي علانية عن الأمر، لكن تصريحه لم يشف غليلي المعرفي، وولد لدي أسئلة كثيرة. وشخصيا رأيت في إعلان الوزير نصف خبر بالكاد، في هذه المرحلة لا يجري الحديث عادة عن المفاوضات وتفاصيل المشروع، حيث يتم الكشف عن ذلك يوم التوقيع النهائي مع هذا المستثمر. – هل لديكم فكرة حول هوية المستثمر الراغب في تشييد مصنع لبطاريات الليثيوم في المغرب؟ لا شيء رسمي حتى اللحظة، وعلينا أن ننتظر الإعلان أو التوقيع الرسمي، لكن أرجح بشكل قوي أن يكون المستثمر صينيا. – ما هي المواصفات التي يفترض توفرها في مستثمر في بطاريات الليثيوم بالنسبة لبلد كالمغرب ينتظر أن يخوض أول تجربة في هذا المجال؟ يتوجب، أولا، التأكد من أن هذه الشركة تتوفر على تاريخ في هذه الصناعة وتوفر بطاريات تتوفر فيها شروط السلامة الواجبة، لأن هذا هو العامل الوحيد الذي يجب التشديد عليه. فالسلامة تعني حماية الأرواح، والمشكل في بطارية السيارة، على عكس بطارية الهاتف، يمكن أنها، إذا لم تكن سليمة، أن تخلف ضحايا أكثر، في حالة انفجار أو احتراق، وكخبير، أشدد على أن السلامة في البطارية هي حجر الزاوية في أي بطارية ليثيوم. فإذا كنت تريد أن تصنع بطاريات كهربائية لسيارات "رونو" أو "ستلانتيس" فهؤلاء لن يقبلوا أي بطارية كانت. وأعرف أن "رونو" و"ستلانتيس" لديهما معامل في بلدان مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا لصناعة البطاريات. إن بطارية ليثيوم يمكنها السير 200 ألف كيلومتر، وثمنها يعادل الثلث من السعر الإجمالي للسيارة، إذ من المستحيل تغييرها كل عام أو عامين، وإلا لن تكون بطارية ذات جودة. البطارية جيدة الصنع يزيد عمرها على العشر سنوات. إن التحقق من جودة البطارية أمر حيوي وضروري، ولهذا بادرنا في جامعة فاس إلى إطلاق مركز الامتياز، الذي هو قيد التشييد، وسيجري تدشينه في آخر السنة. هذا المركز يمكنه أن يتحول إلى مركز خبرة للبطاريات، ويجيب عن أسئلة من قبيل: هل عمرها طويل في ظروف مناخية مغربية مثل الحرارة؟ وهنا، أود الإشارة إلى أن أي تفكير استثماري يجب أن يراعي الإبداع والسبق، فإذا أردنا صناعة بطارية مغربية، فعليها أيضا أن تكون منتوجا يراعي الميزات المغربية، فبطارية ستجول في مدن كفاس أو مراكش صيفا، عليها أن تكون قادرة على تحمل حرارة الخمسين درجة. – أثرتم مسألة مهمة، خاصة وأننا نعيش موجات حرارة شديدة هذه الأيام؟ هلا شرحت أكثر العلاقة بين البطارية ومحيطها البيئي أو الجغرافي؟ يجب على البطارية أن تتضمن مواد مندمجة مع المناخ، لأن البطاريات المستعملة اليوم مصممة على درجات حرارة تتراوح ما بين ناقص 20 إلى زائد 50 درجة، لكن في المغرب لا نصل إلى ناقص 20، بينما هناك بحوث علمية تسابق الزمن من أجل توفير بطارية أكثر مقاومة لدرجة الحرارة. وهذا ما أشتغل عليه رفقة وكالة الفضاء "ناسا"، من أجل تصنيع بطاريات ليثيوم، قادرة على تحمل درجات حرارة تتراوح ما بين زائد 10 إلى زائد 80 درجة مائوية، وهو مشروع يستهدف أسواق البلدان التي تشهد درجات حرارة مرتفعة. لنستحضر سيارة كهربائية تجوب في عز فصل الصيف مدينة مراكش، حيث الحرارة تصل إلى 45 درجة مائوية. فدرجة حرارة البطارية هنا، ستكون ما بين 50 و65 درجة. صحيح أنه من أجل الوصول إلى مشكل الاحتراق، فإن درجة حرارة البطارية يجب أن تصل إلى 800 درجة. لا أتمنى أن أرى حافلة تحترق وعلى متنها مسافرون. – لماذا تولون أهمية كبيرة لمسألة اختيار الشريك الذي سيتولى تشييد مصنع بطاريات الليثيوم؟ نحن في مرحلة أولى من تجارب السيارة الكهربائية، عكس السيارة التقليدية؛ أي التي تعمل بالوقود وهي خبرة تفوق القرن. من هذا المنطلق، أدعو إلى الحذر، فمثلا لا يجب على مصنع مغربي لبطاريات الليثيوم أن يقتصر عمله على بطاريات السيارة الكهربائية. علينا أن نستثمر أيضا في تخزين الطاقة عبر البطاريات. كما يجب التفريق بين إنتاج جيغاواط وجيغاواط/الساعة GW وGWh، ويمكننا صناعة البطاريات التي نريد من بطارية الهاتف النقال إلى بطارية الباخرة. – هل يمكن لمصنع مغربي لبطاريات الليثيوم أن يصدر نحو أوروبا؟ الطريقة الوحيدة للبيع هي الجودة. إذا توفرت بطاريات المغرب على الجودة، يمكننا أن نغزو أوروبا وأمريكا. لكن ما يخيفني أكثر، وبما أنني أعيش في آسيا ولدي علاقات مع مصنعين في الصين واليابان والهند وكوريا، أعرف من هي الشركات التي تتوفر على سمعة جيدة، بالتالي فخوفي أن يتم التعامل في هذا المجال مع شركة لا تتوفر على سمعة جيدة. يحتكر الآسيوين سوق صناعة بطاريات الليثيوم في العالم، وتسيطر دول الصين واليابان وكوريا وتايوان على 80 في المائة من السوق العالمي، بينما يعاني الأوربيون تخلفا في هذا المجال، لأنهم لا يتوفرون على أي خبرة حول الليثيوم، وبالكاد تصل حصة أوروبا إلى 3 في المائة من السوق العالمية، ويطمحون إلى الوصول إلى 20 في المائة بحلول 2030، إذ هناك اليوم 25 شركة "جيغافاكتوري" في أوروبا. وبما أن الأوربيين لا يتوفرون على خبرة في هذا المجال، فقد لجؤوا إلى الصين، التي تتوفر على 4 أو 5 مصنعين كبار مشهود لهم بالجودة في صناعة بطاريات الليثيوم، وبالتالي فإن الكبار في الصين تسابقوا إلى أوروبا، ولا أتمنى أن يدخل المغرب مصنعا أخر خارج قائمة هؤلاء الأربعة أو الخمسة. – للتوفر على مصنع بطاريات ليثيوم، لا بد من معادن ومواد أولية كثيرة، كيف يمكن للمغرب التوفر على هذه المواد؟ لدينا في المغرب الكفاءات المعرفية اللازمة، وهذا أمر مهم، صحيح أنه لا يجب علينا التسرع، لأن مصنعا ضخما للبطاريات مشروع مهم، هناك من يرى أننا نتوفر على الكوبالت، صحيح، لكن علينا تحويله، لاستخراج مادة NMC والأمر نفسه ينطبق على الفوسفاط، علينا البدء في تحويله لاستخراج مادة LFP، لأن هذه المادة لوحدها يمكننا تصديرها كعنصر إلى مصانع بطاريات الليثيوم في أوروبا والصين. أما في ما يتعلق بالليثيوم، فإنه علينا ربط صلات وثيقة مع الشيلي، التي تتوفر على أكبر مخزون عالمي، أما الصين فهي الأولى عالميا من حيث مخزون الغرافيت. فالحديث عن مصنع ضخم، يقصد به سلسلة إنتاجية مترابطة ومتناسقة، وعلينا تطوير الشركات المغربية التي ستحول الكوبالت إلى NMC والفوسفاط إلى LFP. المصدر: موقع "SNRTnews".