شاهدت قبل لحظات شريط فيديو لشابة يهودية اعتنقت الإسلام تبكي فرحا بدينها الجديد وتلوم المسلمين لأنهم لا يعملون على نشره؛ وتدعو المسلمين إلى أن يشكروا الله أنه خلقهم مسلمين؛ فسألت نفسي: ترى بم يشعر هؤلاء الذين يعتنقون الإسلام قادمين من أديان أخرى؛ وهل يختلفون عنا في مشاعرهم تجاه الإسلام؟. نحن الذين خلقنا مسلمين قد لا تشعر الكثرة الكاثرة منا بلذة الانتماء إلى الإسلام؛ ولذلك أعتقد أن المسلمين الجدد يشعرون بلذة الاكتشاف وعظمة الولادة الجديدة. إنهم يذكروننا بجيل الذين عاشوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتقلوا من الجاهلية إلى الإسلام؛ ولا يعبر عنهم سوى قول عمر"لا إسلام لمن لا جاهلية له". يشعر هؤلاء المسلمون الجدد بالإسلام بعيدا عن الواقع السياسي والثقافي والحضاري للمسلمين اليوم. لا يربطون بين الإسلام وما يرونه على الأرض بل يربطونه بما ينتظرهم في السماء. جل هؤلاء يأتون من مجتمعات متحضرة ومتقدمة فيها حقوق وحريات ولذلك لا يزنون الإسلام بميزان مادي كما يفعل الكثير من المسلمين. هم مخلوقات تتطلع إلى السماء ونحن مخلوقات نتطلع إلى الأرض؛ إنهم يبحثون عن حرية الروح بينما نبحث نحن عن حرية الجسد. هي مسألة ثقافية لها علاقة بالوعي الجمعي. فبينما يرى هؤلاء أن الإسلام الجديد يحررهم يرى بعضنا أن الإسلام يقيدهم؛ وأعجب ما ترى عند هؤلاء المسلمين الجدد أنهم يعبرون عن فرحتهم بالبكاء؛ بينما يحزن بعضنا بسبب إسلامهم. غاية التجرد أن تعتبر الإسلام علاقة بالله وتطلعا إلى ما بعد الموت لا ارتباطا بظروف سياسية واقتصادية متردية؛ وأن تعتبر بأن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية يصنعها العمل لا الإيمان؛ لذلك لا غرابة أننا قوم نؤمن ولا نعمل؛ والآخرون يعملون ولا يؤمنون؛ وما تراه عند بعضنا من نقد للإسلام بسبب التخلف والتأخر ليس سوى دليل على كسلهم؛ ولا يكثر نقد الدين في مجتمع إلا لأنه مجتمع لا يعمل؛ أما المجتمعات العاملة فتركز على نقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومحاولة تغييرها. في الحكومات الأوروبية مسؤولون كاثوليك وبروتستانت؛ وعندما يحللون أوضاعهم لا يفكرون في الكاثوليكية أو البروتستانتية؛ بل يفكرون في مشاريع العمل وفي البرامج والسياسات؛ ومنذ قرون واليهود على سبيل المثال يعيشون التيه والشتات والاضطهاد؛ ولكنهم لم ينتقدوا اليهودية ولم يحملوها المسؤولية. هناك معركة لتزييف وعي المسلمين.