الخميس 18 فبراير 2016 إن قراءة في الإطار الناظم للتشريع في أي نظام سياسي يسمح لنا بالحكم على مدى تفعيله للحكامة التشريعية وذلك بالنظر إلى توفر هذا النظام على المقومات الأساسية للحكامة والمتمثلة أساسا في الشرط الديمقراطي الذي يعتمد على التشاركية في إعداد النص التشريعي وعلى التعميم في نشره، وعلى احترامه لمبدأ التراتبية، وفي الشرط الوظيفي الذي يعتمد على تكييف النص التشريعي لخدمة المواطن وحماية حقوقه. في هذه المقال الذي سنقتصر فيه على تحري الحكامة في مجال التشريع الفرعي الذي تمارسه الحكومة من خلال المراسيم والقرارات، سنبحث في مدى جودة هذه النصوص القانونية وإعمالها لمبادئ الحكامة، معتمدين المرسوم المحدث لمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والمرسوم الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، وما أثاراه من نقاش مجتمعي وشد للحبل بين الأساتذة المتدربين والحكومة، كنموذج لضعف الجودة في إخراج النصوص القانونية حينما تتخذ على عجل وتغيب عنها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح. فبعيدا عن الجدل المثار حول توقيت نشر المرسومين والآثار القانونية المترتبة عنه، نرى أن الموضوع أكبر بكثير من مجرد احترام الحكومة للآجال القانونية لتعميمهما بما يكفل إطلاع الفئات المستهدفة بالمقتضيات الجديدة للمرسومين، ذلك أن الإشكال يكمن في الاختلالات التي مست شرعية المرسومين لعدم احترام المقتضيات الدستورية ومقتضيات قانون الوظيفة العمومية عند وضعهما، ومست أيضا مشروعيتهما عندما لم يحترم مبدأ المشاركة. عدم احترام الحكومة لمبدأ تراتبية القوانين: إن قراءة شاملة للنصوص القانونية المنظمة لتكوين الأساتذة المتدربين وتوظيفهم تميزت في صيغتها الأصلية بنوع من الانسجام في الرؤية والتنزيل على ضوء قانون الوظيفة العمومية. فالمترشحون المقبولون في امتحانات ولوج المراكز في ظل المرسومين قبل التعديل كانوا أساتذة متدربين يتقاضون، خلال السنة التكوينية، الأجرة المقابلة للرسم الاستدلالي 275 وتعويضا جزافيا قدره 600 درهم شهريا، مع إمكانية الاستفادة عند الاقتضاء من التعويضات العائلة المخولة للموظفين. ويتوج تكوينهم بالمركز، بعد النجاح في امتحان التخرج، بشهادة التأهيل التربوي التي تخولهم ولوج الوظيفة العمومية. غير أن الوزارة بتعديلها للمرسوم رقم 2.02.854 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2003 في شأن النظام الأساس الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية ولا سيما (المواد 17 و23 و27) عمدت إلى التراجع عن الرؤية التي سطرتها لوضعية الأساتذة المتدربين في الصيغة المعتمدة في المرسوم المحدث للمراكز سنة 2011، وذلك من خلال النص صراحة عن فصل التوظيف عن التكوين، دون أن تحترم في هذا التعديل مبدأ تراتبية القوانين لعدم أخذها بعين الاعتبار الفصل 22 من قانون الوظيفة العمومية (الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 4 شعبان 1377 / 24 فبراير 1958) المتعلق بالتوظيف والذي ينص على أنه "يجب أن يتم التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولوج نفس المنصب، ولا سيما حسب مسطرة المباراة. وتعتبر بمثابة مباراة، امتحانات التخرج من المعاهد والمؤسسات المعهود إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة...". فبمقتضى الفقرة الثانية من هذا الفصل تعتبر بمثابة مباراة، امتحان التخرج من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين المتوج بالحصول على شهادة التأهيل التربوي الخاصة بالمسلك موضوع التأهيل، الشيء الذي كان يتماشى معه مرسوم موظفي وزارة التربية الوطنية قبل التعديل، إذ كان ينص على أنه " يعين في الدرجة الثانية من إطار (أستاذ التعليم الابتدائي، أو أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، أو أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي) خريجو المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الحاصلون على شهادة التأهيل التربوي الخاصة بالمسلك موضوع التأهيل". فالحكومة حينما استهدفت فصل التوظيف عن التكوين في صيف 2015، لجأت إلى تعديل المواد (17 و23 و27) من مرسوم موظفي وزارة التربية الوطنية ليصبح مضمون هذه المواد على الشكل التالي: "يوظف ويعين في الدرجة الثانية من إطار (أستاذ التعليم الابتدائي، أو أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي، أو أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي) بعد النجاح في مباراة تفتح في وجه المترشحين الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي للتعليم الخاص بالمسلك موضوع التأهيل (الابتدائي ، الثانوي الإعدادي، الثانوي التأهيلي) المسلمة من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. فكيف عمدت الحكومة بمرسوم أقل درجة من القانون إلى نفي مقتضيات صريحة للنظام الأساس للوظيفة العمومية المنظم بظهير بمثابة قانون، والذي يشير بشكل صريح لا لبس فيه بأن امتحان التخرج من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين هو بمثابة مباراة التوظيف، باعتبار أن هذه المراكز هي ضمن المعاهد والمؤسسات المعهود إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة. كيف تجاوزت الحكومة مبدأ تراتبية القوانين المنصوص عليه في الفصل 6 من دستور 2011. أم هي بذلك تنفي على مراكز التكوين بأنها ضمن المعاهد والمؤسسات المعهود إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة؟ هل من ضمن اختصاصات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تزويد القطاع الخاص بأساتذة لم يتمكنوا من النجاح في المباراة المفتوحة في وجه المترشحين الحاصلين على شهادة التأهيل التربوي للتعليم الخاص بالمسلك موضوع التأهيل (الابتدائي ، الثانوي الإعدادي، الثانوي التأهيلي) المسلمة من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين؟ كيف تبنت الحكومة هذه السياسة بدون التشاور مع القطاع الخاص المعني بهذا القرار؟ ولماذا لم تعمم هذه المقتضيات على قطاعات وزارية تكتفي بمباراة الولوج إلى مؤسساتها التكوينية ويلج خريجوها التوظيف بدون خضوع للمباراة كالقطاع الأمني مثلا؟ ألا يمكن أن تدعم الدولة الشركات الأمنية الخاصة بخريجين كونتهم في المعاهد الأمنية استنادا إلى نفس المنطق؟ دون الحديث طبعا عن خريجي المعهد العالي للقضاء ومدرسة تكوين الأطر بالقنيطرة مثلا لأن خريجي هذه المعاهد غير خاضعين لقانون الوظيفة العمومية. لعل ضعف جودة إخراج هذه النصوص القانونية راجع إلى أن إعدادها والمصادقة عليها من طرف الحكومة كان بسرية تامة وفي زمن قياسي وبدون التشاور مع أي جهة معنية بالتكوين أو الفاعلين المهتمين بالشأن التربوي، وتم تحت ضغط تدبير المناصب المالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية. فهي لم تكن ناتجة عن رؤية تصحيحية ولا استراتيجية لتجويد التعليم وتأهيل أطره، مما أنتج تعديلا للنظام الأساس لموظفي وزارة التربية الوطنية يتسم بالبطلان لكونه قانونيا يخالف النظام الأساس للوظيفة العمومية ولا سيما الفصل 22 منه. فالقانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. كما يخرق قاعدة دستورية نص عليها الدستور في الفصل 6، وهي قاعدة وجوب احترام التراتبية القانونية غياب الانسجام بين المرسومين وقراراتهما التطبيقية: إن التدبير المفتقد للمعرفة والخبرة يعطي نصوصا معرقلة لا نصوصا قابلة للتفعيل، نصوصا تعتريها العديد من النقائص والتناقضات والاختلالات سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون والأهداف كما هو الحال بالنسبة لمقتضيات المرسومين موضوع النزاع والقرارات التطبيقية لهما. أضف إلى ذلك غياب الانسجام بين مضامين المرسوم والقرارات المتخذة بشأن الخريجين، فالمقتضيات تتحدث مرة عن التأهيل ومرة عن التكوين ونجد هذا الخلط في نفس المادة (36)، فالحديث عن التأهيل يجعلنا أمام موظفي الوزارة وليس أمام طلبة. كما يتحدث المرسوم عن الشواهد الوطنية، ونظام الدراسات والتقويم لا يخضعان للدفاتر البيداغوجية الوطنية، فمقتضيات القرارات التطبيقية للمرسوم تخالف بشكل واضح مقتضيات المرسوم (قرار مباراة الولوج نموذجا) وهذا فيه مخالفة صريحة للقاعدة الدستورية التي تستوجب احترام مبدأ التراتبية. أما إذا انتقلنا إلى عدة التكوين بالمراكز التي صادقت عليها الوزارة، والتي جاءت بمفهوم الاصطحاب، فإننا نجد في دليل الاصطحاب ثلاثة أصناف من الاصطحاب[1]: * الاصطحاب أثناء التكوين؛ * اصطحاب الخريجين الذين تمكنوا من استيفاء كلي لمجزوءات التكوين؛ * اصطحاب الخريجين الذين تمكنوا من استيفاء جزئي لمجزوءات التكوين. وكان الحديث في هذا الدليل عن المصاحبة المفردنة والشخصية في الوقت الذي لم يتم تعيين الراسبين في نهاية السنة التكوينية الأولى بعد دخول مرسوم المراكز حيز التطبيق. وكيف يمكن تحقق هذه المصاحبة الشخصية والمفردنة بعد التخرج والالتحاق بمؤسسات التعيين في الوقت الذي لم يتم تعيين الخريجين الذين لم يستوفوا جميع المجزوءات وتعيين الخريجين الناجحين في المناطق المختلفة والبعيدة عن مراكز التكوين؟ وبالمقارنة بين ماورد في دليل الاصطحاب ومقتضيات المادة 23 في صيغتها الأولى يوحي بأن هذا التصور ينطبق على أساتذة في وضعية التدريب وليس أساتذة طلبة. من وضعية أساتذة متدربين إلى طلبة متدربين: نص المرسوم المحدث لهذه المراكز رقم 2.11.672 بتاريخ 23 ديسمبر 2011 في المادة 23 على انه "يتقاضى المترشحون المقبولون في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس الأجرة المقابلة للرسم الاستدلالي 275 وتعويضا جزافيا قدره 600 درهم شهريا، ويستفيدون عند الاقتضاء من التعويضات العائلة المخولة للموظفين". وأصبحت هذه المادة في الصيغة المعدلة بمقتضى المرسوم رقم 2.15.589 بتاريخ 10 غشت 2015، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6391 بتاريخ 31 غشت 2015 على الشكل التالي:"يتقاضى المترشحون المقبولون في سلك تأهيل أطر هيئة التدريس منحة شهرية قدرها 1200 درهم شهريا طيلة مدة التكوين ولفترة لا تتجاوز سنة كاملة". هل تعديل الصيغة من أجرة إلى منحة تعني تغيير في وضعية الأساتذة المتدربين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من موظفين متدربين إلى طلبة لا حق لهم في التوظيف بعد النجاح في امتحان التخرج؟ وهل يكفي هذا التبرير لفصل التكوين عن التوظيف؟ ميزت مقتضيات المرسوم بين أطر هيئة التدريس المقبولين في المركز والمقبولين في سلك تحضير مباريات التبريز في المسألة المادية، ونصت المادة 30 على أنه "يحتفظ الأساتذة المقبولون في سلك تحضير مباريات التبريز المنصوص عليها في المادة 28 أعلاه، بوضعيتهم النظامية خلال سنتي التحضير ويستفيد الطلبة غير الموظفين من منحة تحدد مقاديرها طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل". ولم يتغير مضمون المادة 30 في الصيغة المعدلة بمقتضى المرسوم رقم 2.15.589 بتاريخ 10 غشت 2015 كثيرا، فقد احتفظ بنفس المنطق، وأصبح على الشكل التالي:" يحتفظ الأساتذة المقبولون في سلك تحضير مباريات التبريز المنصوص عليها في المادة 28 أعلاه، بوضعيتهم النظامية خلال سنتي التحضير ويستفيد الطلبة غير الموظفين من منحة شهرية قدرها 2454 درهما لمدة عشرة أشهر عن كل سنة دراسية". فهذه النصوص كانت تنص على الأجرة بالنسبة لأطر هيئة التدريس، وعن المنحة بالنسبة للطلبة بسلك التبريز، غير أن ذلك لا يعني عمليا فصل التوظيف عن التكوين بناء على المسألة المادية، بالنظر إلى أن الطلبة في سلك تحضير مباراة التبريز، وإن تقاضوا منحا بمقتضى المرسومين القديم والمعدل، فإن تعينهم يتم بدون إجراء مباراة التوظيف، كما يتم توظيف الراسبين منهم في مباراة التبريز كأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي في قطاع التربية الوطنية دون الخضوع إلى مباراة التوظيف. يبدو أن هذا التعديل الذي طال الوضعية المادية للأساتذة المتدربين بالحديث عن المنحة عوض الأجرة، كان الهدف منه تغيير النظرة للأساتذة المتدربين إلى طلبة لتتوافق مع منطق فصل التوظيف عن التكوين، غير أن ذلك لم يصاحبه تعديل في المواد الأخرى، فالفقرة الثانية من المادة 36 مثلا لازالت تنص على صفة "أساتذة التعليم المدرسي"، والتي لا يقصد من خلالها المشرع بالتأكيد الأساتذة الممارسين الذين يلجون إلى المراكز لتغيير إطارهم إما من أستاذ التعليم الابتدائي إلى إطار أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي أو الثانوي التأهيلي، أومن أجل الترقي وتحسين الوضعية، فإضافة عبارة المتدربين تؤكد بأن النص يتحدث عن نفس الفئة، وبالتالي فإن الاقتصار على تعديل المادة 23 والمادة 30 من المرسوم المنظم للمراكز لم تكن موفقة، بحيث خلقت تناقضات واضحة في بنية النص بأكمله، فطبعت المرسوم بضعف الفعالية والجودة. غياب الإجراءات المصاحبة لتغيير الوضعية المادية: حينما قررت الحكومة تخصيص أطر هيئة التدريس بأجرة مقابلة للرسم الاستدلالي 275 وتعويض جزافي قدره 600 درهم شهريا رافقت ذلك بقرار الرفع من قيمة الإيواء بداخلية المركز، بفرض دفع كل أستاذ مبلغ 450 درهم شهريا لغرفة مزدوجة، غير أنها حينما قررت تقليص مبلغ المنحة لم تواكبه بتعديل في واجب الإيواء بداخلية المركز، ليطرح السؤال عما سيتبقى للطالب من مبلغ المنحة الشهرية وهل سيكفيه لضمان الظروف الجيدة للطالب ليتفرغ للتكوين والتأهيل والانتقال إلى مؤسسات التطبيق من أجل التدريب؟ خلاصة: إن الإشكال الحقيقي في صناعة القرار التشريعي الحكومي يعود إلى غياب إشراك الفاعلين في المنظومة، وغياب الإيمان بأن مسألة الإصلاح ينبغي أن تكون برؤية واضحة وشاملة وبشكل تدريجي، وأن النصوص المتعلقة بالتعديل ينبغي أن يتم إعدادها ونشرها انسجاما مع النص الدستوري ومقتضيات قانون الوظيفة العمومية، وبوقت كاف ليصل خبرها إلى الفئات المستهدفة خاصة في القضايا الكبرى كقضية التعليم التي تعتبر ثاني قضية وطنية بعد القضية الترابية. غير أن الحكومة بتغييبها لمبادئ المشاركة واحترام تراتبية القوانين والقرارات المصاحبة، وباستحضارها للهاجس المالي والاقتصادي في العملية، أفقدت مراسيمها الجودة المطلوبة.فعدم احترام سمو القاعد الدستورية أفقد المرسومين شرعيتهما، وعدم احترام مبدأ المشاركة أفقدهما مشروعيتهما. هذا في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون التربية والتكوين ضمن الأولويات الكبرى للحكومة لأن المسألة تتعلق بمرفق عمومي ينبغي تعزيزه بموارد تمكنه من وظيفته المتمثلة في بناء وطن ورجاله وليست مسألة مقاولة هدفها الربح المالي. نقول إن بلوغ الجودة في منظومتنا التربوية يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإشراك جميع الفاعليين المعنيين بالشأن التربوي والقطع مع البرامج والقرارات الارتجالية والتدابير الاستعجالية. [1] عدة تأهيل الأساتذة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين: دليل الاصطحاب يوليوز 2012 الوحدة المركزية لتكوين الأطر.