من مكارم الأخلاق التي عزت في هذا الزمان حفظ الجميل والأيادي البيضاء، فيحسن الرجل لأخيه وسيدي إليه المعروف العظيم، ثم تمر الأيام فيجفوه جفاء منكرا، وينسى جميله و ينكر معروفه وهذا من اللؤم الذي لا يرضاه إلا دنيء النفس خسيس المعدن.. فحق من أسدى لنا معروفا أن نحفظ جميله ونكافئه بما نستطيع وندعوا له بخير ونقيل عثرته ومعقول عن زلته. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ.- وفي رواية :مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ. َخْرَجَهُ أحمد 2/68(5365) و\"البُخَارِي\" في (الأدب المفرد) 216. و\"أبو داود\" 1672 و\"النَّسائي\" 5/82، و\"الكبرى\" 2359. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ» (رواه أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان والطيالسي، وهو حديث صحيح صححه العلامة الألباني). قال الإمام الخطابي في شرح الحديث: "هذا يُتأول على وجهين: أحدهما: أن من كان طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم، كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له. والوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكرَ العبد على إحسانه إليه، إذا كان العبدُ لا يشكرُ إحسان الناس ويكفر معروفهم" (معالم السنن 4/113). وقال الإمام الخطابي أيضاً: "هذا الحديث فيه ذم لمن لم يشكر الناس على إحسانهم. وفيه أيضا الحث على شكر الناس على إحسانهم. وشكر الناس على إحسانهم يكون بالثناء عليهم وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم". وقال الشاعر: ومن يسدِ معروفًا إليك فكن له….شكورًا يكن معروفه غيرَ ضائع ولا تبخلنّ بالشكر والقَرض فاجزه….تكن خير مصنوع إليه وصانع و من أقسى الاشياء على نفس الإنسان أن يُقابل جميله بالنكران ومعروفه بالأذى. قال المتنبي: إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ……..وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا…مضرٌّ كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل ورده، وفي الوفاء وحفظ اليد. وهذا خلق منه صلى الله عليه وسلم عم أهل بيته وعشيرته بل وجميع أصحابه. ولنتأمل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وهو يذكر فضل أبي بكر ومواقفه الطيبة حيث يقول: "مَا لأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلاَّ وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلاَ أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا نَفَعَنِى مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِى مَالُ أَبِى بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللهِ". رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. قلت: إن لي إخوانا و أقارب ما أنسى جميلهم ولا أنكر معروفهم و أحفظ لهم أياديهم البيضاء. وما أحسن إلي أحد إلى سعيت مع حفظ جميله إلى مكافأته و الإحسان إليه بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا أني أشهد أن بعض الأخيار لن أوفيهم حقهم وأحس أني عاجز عن مكافأتهم، وإني لأدعو لهم في صلواتي وفي خلواتي أن يجزيهم الله عني خير الجزاء وأن يكرمهم ويحسن وفادتهم في الدنيا والآخرة.