نقصد بلفظ "الملتزمين" المسلمين الذي اختاروا بقناعة وإيمان أن يكون الإسلام مرجعا لهم ومؤطرا لحياتهم الخاصة والعامة، فهم يحملون مشروع رسالة الإسلام وينشدون أن تكون تلك الرسالة واقعا يمشي بين الأفراد والجماعات وفي المؤسسات. ولا يعني هذا أن هؤلاء لم يكونوا من قبلٔ مسلمين، بل كانوا مسلمين إلا أن إسلامهم كان بالوراثة والعادة، فمنهم من كان يقوم ببعض الطاعات كالصلاة ومنهم من كان لا يصلي، ومنهم من كان يقرأ القر0ن ومنهم من كان لا يهتم بذلك، ومنهم من كان حسن الخلق ومنهم من كان سيء الخلق، ومنهم من كان يتعاطى الدخان والمخدرات ومنهم من كان معافى من ذلك. وفي خصوص النساء فمنهن من كانت ترتدي خمارا بحكم الإلف والعادة ومنهن من كانت متبرجة سافرة…، ومنهن من كانت مقبلة على الرجال لا ترد يد لامس ومنهن من كانت مدبرة عفيفة لا تصافح حتى أبناء عمومتها.. لكن وقع لهم حدث غيّر مجرى حياتهم وكان سببا في يقظتهم من الغفلة التي كانت تحجب عنهم جمالية الإسلام وحلاوة الإيمان، فارتموا في أحضان الدين بحماسة عالية ورغبة شديدة في التدين. من هؤلاء من أدركه "الالتزام" وهو الشاب أعزب، فاجتهد في الامتثال لأحكام الإسلام وبحث عن فتاة ملتزمة لتكون شريكة حياته، جاعلا نصب عينيه وصية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ". ومن هؤلاء من أدركه "الالتزام" وهو رجل متزوج، فدعا زوجته إلى سلوك الطريق الذي اقتنع به ورغبها في ذلك ترغيبا. ومن هؤلاء من أدركه "الالتزام" ولديه أسرة، فبش في وجه أسرته وأحيانا هش، وأخذ الجميع إلى بيت الالتزام وحملهم على الطاعة والإيمان، وبدأ يرمم ما أفسدته العادات والتقاليد البعيدة عن هدي الإسلام. كانت ظاهرة الالتزام تنمو يوما بعد يوم، وشكلت فترة السبعينيات تقريبا بداية الانطلاقة لهذه الظاهرة، وأعقبتها فترة الثمانينيات بشكل أقوى واستمرت إلى التسعينيات. ثم بدأت بعض صور الضعف في الالتزام تظهر في الألفينيات في صفوف أولاد الملتزمين. وفي كل يوم تتسع صور هذا الضعف إلى أن أصبحت ظاهرة يشكو منها ال0باء الملتزمون إلا القلة ممن رحمهم الله من هذا الداء العضال . ولا نقصد بالضعف في الالتزام الآنف الذكر أن ظاهرة التدين والالتزام ضعفت وانحصرت، فمسيرة الملتزمين الجدد لا تزال مستمرة ولله الحمد، ولكن حديثنا عن أبناء الملتزمين كما سبق توضيحه. الكل يتساءل: ماذا وقع لأبناء الملتزمين!؟ شكاوى كثيرة لا حصر لها تعبر عن واقع مر مخيف، لم ينجو منهم حتى بعض الدعاة في حق أسرهم وأولادهم. كان يفترض من حيث المبدأ، أن أولاد الملتزمين سيكونون الأفضل تدينا وأخلاقا والتزما من 0بائهم، باعتبار أنهم وجدوا حضانة أفضل مما عاش فيها ال0باء: الأبناء وجدوا من يأخذهم إلى دور القر0ن. الأبناء وجدوا من يأخذهم إلى المسجد. الأبناء حظوا برعاية إيمانية فوجدوا من يذكرهم بالله تعالى…. بخلاف الآباء، ولا مجال للمقارنة بين ظروف الآباء المقاومة للاتزام وظروف الأبناء المشجعة على الالتزام، ورغم هذا التباين الإيجابي في صالح الأبناء، فمعالم ضعف تدينهم لا تخطئها عين.. فما أسباب ذلك؟ وهل المسؤول عن هذه الظاهرة الآباء أم الأبناء؟ ألا يمكن أن يكون المحيط الخارجي هو المسؤول؟