‬مجلس حقوق الإنسان ينادي بأجرأة المجلس الوطني للغات والثقافة    إعفاء برادة للكاتب العام الوطني لوزارة التربية والتعليم يثير جدلاً داخل الأوساط التربوية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار الذهب تستقر عند أعلى مستوى    ارتفاع عدد المعتمرين بنسبة 31 في المئة في العام المنصرم    قيس سعيّد يقيل رئيس الحكومة    جيش السودان يستعيد القصر الجمهوري    الركراكي في مواجهة الزاكي لمواصلة سلسلة الانتصارات وحصد العلامة الكاملة    لقجع وبرادة مطلوبان في البرلمان للوقوف على تحضيرات مونديال 2030    محاكمة الفريق الطبي لمارادونا .. شهادات صادمة عن "الإهمال القاتل"    قيمة زكاة الفطر بالمغرب: 23 درهما    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    العاصفة "مارتينو" تضرب شمال المغرب بأمطار غزيرة ورياح قوية    الأمم المتحدة: 8938 شخصا على الأقل قضوا على طرق الهجرة عام 2024    من أجل فلسفة جذرية    طوفان الأقصى: لا أمن بلا سلام    تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا يوقف عنصر موالي ل"داعش" في قرطبة    اختلالات الحكومة المغربية وشعرة معاوية    مندوبية التخطيط: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ب0,3 في المائة خلال شهر فبراير    إفطار جماعي لفائدة النزلاء الأحداث وعائلاتهم بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع    دوري الأمم الأوروبية.. كرواتيا تغلب فرنسا وألمانيا تقلب الطاولة على إيطاليا    بايتاس: متوسط التساقطات المطرية بلغ 113,9 ميلمتر إلى حدود 19 مارس    تقارير أمريكية: واشنطن تتجه لإنهاء مهام بعثة المينورسو في الصحراء المغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | 33.636 أسرة استكملت بناء وتأهيل منازلها المتضررة بالزلزال    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    وزان تستنكر العدوان الصهيوني    "ليلة القرآن" تشع في رمضان.. والتوفيق يُكرم حفظة وخُدام كتاب الله    برمجة تعيين أطباء بمشفى خنيفرة    موقعة الحسم بين المغرب والنيجر .. الركراكي والزاكي في صراع التأهل إلى مونديال 2026    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    إقليم الجديدة.. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تواصل دعمها للتعاونيات الفلاحية النسائية    حقيقة بناء عشوائي في المجمع السياحي سانية بلاج    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    اليابان أول منتخب يتأهل إلى كأس العالم 2026    المغرب يدين بأشد العبارات خرق وقف إطلاق النار وتجدد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    أرباح "سنلام" 418 مليون درهم    4 ملاعب مغربية تحتضن "كان U17"    رئيس الحكومة يترأس مراسم التوقيع على اتفاقية استثمارية مع المجموعة الصينية "صنرايز" الرائدة في صناعة النسيج    المغرب يدعو إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل    الراضي وهبة محمود تضعان خارطة الطريق للتعاون الثقافي المغربي – المصري    أخبار الساحة    سؤال الجمال    دراسة: محبي السهر أكثر عرضة للتفكير السلبي والاكتئاب    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة المجازر الإسرائيلية إلى 710 شهيد وأكثر من 900 جريح    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    الصيام في رمضان.. علاج للروح وفوائد جمة للجسد    هذه تدابير مفيدة لجعل المنزل ملائما لمرضى الحساسية    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    عمرو خالد: هكذا يمكن تفادي الصراع والصدام واللجوء إلى الحوار والوئام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نكسة 8 شتنبر: مداخل لأطروحة نظرية جديدة
نشر في هوية بريس يوم 15 - 09 - 2021


هوية بريس- د.عبد العلي حامي الدين
من الملاحظات اللافتة التي أفرزتها نتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية ليوم الأربعاء 8 شتنبر أن هناك اهتماما واسعا من طرف المغاربة بواقع ومستقبل حزب العدالة والتنمية-ربما- أكثر من اهتمامه بمخرجات الانتخابات الأخيرة وما تبعها، وأنا أعتقد جازما أن المرحلة التي يمر بها حزب العدالة والتنمية تحتاج إلى إعمال النظر بروية عميقة ومنهجية نقدية صارمة تتحرر من هول الصدمة وتستشرف المستقبل عن طريق وضع بعض المداخل المساعدة في بناء أطروحة نظرية جديدة.
وبغض النظر عن جميع زوايا النظر الموجودة في تفسير نتائج الانتخابات الأخيرة فإن ما حصل بوم 8 شتنبر يوفر فرصة تاريخية للقيام بوقفة تأملية في مسار هذه التجربة التي قدمت الشيء الكثير لهذا الوطن، ولازال في جعبتها الشيء الكثير ، إذا استشعرت الحاجة الملحة للإنصات العميق لنبض الشارع واستمعت بتواضع لملاحظاته وانتقاداته،
وذلك في أفق العمل من أجل إطلاق دورة جديدة من التفكير والاجتهاد والتجديد والنقد العقلاني بكل حرية، واعتماد الحكمة في استيعاب الذكاء الجماعي والحفاظ على وحدة الصف، أما محاولة تعليق الفشل على جهات أخرى
فهو مجرد استمرار في اجترار الأزمة.
ربما سنتفق جميعا على أن النتائج الرسمية التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية لا تعكس الوزن السياسي والانتخابي له، لكنها مع ذلك تبقى من المنظور الواقعي نتيجة حتمية لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى وأخرى موضوعية لا يمكن إنكارها.
فقط ينبغي التحلي بفضيلة النقد الذاتي وبقليل من الوضوح والصراحة والجرأة في التعبير ، دون التورط في القراءة التآمرية للشروط التي أحاطت بانتخابات يوم الثامن من شتنبر، وهنا أكتفي بالقول بأن الانتخابات المغربية كانت ولازالت محكومة بشروط قانونية وتنظيمية وسياسية غير مكتملة تجعلها تتلمس بصعوبة طريقها نحو انتخابات حرة ونزيهة بالمعايير المتعارف عليها دوليا لدى الأنظمة الديموقراطية وبالمواصفات المنصوص عليها في الدستور المغربي..
غير أن ما يهمنا في هذه المقالة المركزة هو التأكيد على بعض المداخل الضرورية لتجديد النظر السياسي لحزب العدالة والتنمية وإعادة قراءته للمشهد الحزبي والسياسي الذي يتحرك فيه، وهو ما يحتاج في البداية لتجاوز المنطق التبريري.
1- في ضرورة تجاوز المنطق التبريري:
إن المنطلق الأساسي لعملية النقد الذاتي المأمولة هو ضرورة تجاوز المنطق التبريري والنزوع الآلي لتبرير الفشل عن طريق اللجوء المسطري عندما يعجز العقل السياسي الحزبي عن استيعاب بعض الإشكاليات التي تراكمت داخل التنظيم الحزبي وينزاح لتبرير بعض القرارات ذات الطبيعة السياسية ببعض التبريرات المسطرية التي لا تكون لها القدرة على الإقناع، أو غير كافية لتفسير بعض المواقف والاختيارات التي تمس بمصالح فئات اجتماعية معينة.
2- ضرورة الخروج من نمطية التفكير التي أبدعها الجيل المؤسس:
لقد تحمل جيل القيادات التاريخية في سياقات فكرية وثقافية وسياسية معينة، مسؤولية بناء عمل سياسي متميز انطلاقا من المرجعية الإسلامية ونجح في القيام بالمراجعات الضرورية سواء فيما يتعلق بالموقف من النظام السياسي أو في اعتماد منهج المشاركة السياسية وهو ما سمح للحزب بتبوأ مكانة محترمة في الساحة السياسية بطريقة انسيابية ناجحة، غير أن الانخراط في التدبير الحكومي لولايتين متتاليتين كشفتا أن نوعية الإدماج السياسي لهذا المكون لازال محكوما بتوجسات حقيقية لم تنجح عشر سنوات من التدبير الحكومي في تجاوزها، وهو ما ينبغي تسليط الضوء على أسبابه العميقة إذا تم تجاوز نمطية التفكير التي وضعها الجيل المؤسس والتي تجعله أسير النشأة التاريخية للحركة الإسلامية الغير القادر على تجاوز تداعياتها النفسية ومقارناتها الدائمة مع حركات إسلامية أخرى التي تميزت علاقتها بأنظمتها السياسية بتوترات عنيفة وصلت إلى درجة خوض معارك استئصالية ضدها.
إن عقدة الانتماء التاريخي للحركة الإسلامية لم يسمح للجيل المؤسس بتجاوز مجموعة من المفاهيم والمقولات النظرية وأيضا بعض الاختيارات السلوكية التي خلقت حواجز ثقافية ونفسية مع فئات سياسية واجتماعية معينة لها اختيارات أخرى مختلفة في نمط الحياة والمعيش اليومي.
ورغم المجهودات المبذولة فإن بعض عناصر تفسير ما حصل بوم 8 شتنبر يمكن تفسيره في إخفاق الجيل المؤسس على تحقيق الاندماج الكامل أو التطبيع الشامل مع إواليات النظام السياسي ومؤسسات الدولة المركزية، وإخفاقه في بناء تحالفات سياسية على أرضية مصالح متبادلة...
3- التناوب من داخل جيل التأسيس ليس جوابا مناسبا:
انطلاقا من المداخل السابقة يمكن القول بأن الخروج من مرحلة ما يسميه البعض ب"الإسلام السياسي" إلى مرحلة "ما بعد الإسلام السياسي" تبقى ضرورة حتمية لتحقيق الاندماج الضروري والاعتراف الموضوعي لهذه المدرسة السياسية الموجودة في البيئة المغربية، وهو ما لا يمكن تحقيقه عن طريق التناوب من داخل جيل التأسيس.
إن استدعاء شخصية من الجيل المؤسس قصد الجواب على نكسة 8 شتنبر هو جواب عاطفي محكوم بذكريات انتصارات 2015 و2016، وهو جواب قاصر عن فهم السياق السياسي الداخلي والخارجي الذي وفر البيئة المناسبة لنكسة 8 شتنبر ، دون الأخذ بعين الاعتبار ما عشناه خلال الولابة الأخيرة من خلافات حادة بين رموز الجيل المؤسس خصوصا حينما تصبح نوعية المواقف المتخذة في بعض الأحيان محكومة بخلافات ذات طبيعية نفسية معقدة، عشنا بعض تداعياتها السلبية خلال هذه المرحلة وأرخت بظلالها على المزاج العام للتنظيم، وكانت سببا في اهتزاز ثقة المناضلين في قياداتهم التاريخية، وانعكست بشكل مباشر على الروح النضالية للأعضاء وتجلت بشكل ملموس في الحملة الانتخابية الأخيرة، كما تجلى أيضا في الانخراط البارد لأعضاء حركة التوحيد والإصلاح في المعركة الانتخابية. وهو ما يستدعي الحديث عن مدخل ضروري للانتقال المطلوب، وهو الخروج من الارتهان بالعلاقة مع جمعيات ذات طبيعة دعوية ومدنية صرفة.
4- الخروج من الارتهان بالعلاقة مع جمعيات دعوية:
إن الجمعيات الدعوية التي تشتغل في المجال المدني لها حقلها ومجالها ومستلزماتها وخصوصياتها ومن حقها ان ترسم اهدافها بمعزل عن مستلزمات العمل السياسي واشتباكاته، ولذلك فإن توغل الفاعل السياسي في ملامسة بعض القضايا والاختيارات انطلاقا من لغة المصالح الوطنية والموازنة بينها وبين بعض المواقف المبدئية ستجعله في تناقض مع طبيعة الفاعل المدني الذي يشتغل في حقل محكوم بالمواقف المبدئية بعيدا عن إكراهات الدولة وتحدياتها الخارجية. وهو ما يفرض الانتقال إلى ترسيم المسافة الضرورية بين المجالين وفك ارتهان أحدهما بالآخر وذلك بشكل عقلاني ينطلق من خصوصية كل مجال وحاجته للاستقلال بذاته على كافة المستويات.
كل هذه المداخل تبقى عامة ومجردة إذا لم ينجح الحزب في تجديد خطه السياسي في إطار من الوضوح النظري الضروري لإعادة التموضع في الساحة السياسية كفاعل سياسي إصلاحي ديموقراطي حقيقي قادر على ممارسة وظيفة الوساطة والتمثيل السياسي دونما خلط بين ما هو دعوي بما هو حزبي.
5- رؤية واضحة لديموقراطية توافقية:
إن مفاهيم النضال الديموقراطي والبناء الديموقراطي المنصوص عليهما في أطروحتي المؤتمرين السابقين، افتقدا إلى القيادة السياسية القادرة على تملكهما وتوظيفهما في خطاب سياسي واضح، وهو ما جعل خطاب الحزب خصوصا في الولاية الأخيرة خطابا تدبيريا صرفا يمتح من الحصيلة الرقمية لأداء الوزراء ورؤساء الجهات والجماعات، ومفتقرا للمضمون السياسي والديموقراطي الضروري، كما أن ترأس الحزب للحكومة لم يكرس تيمة حقوق الإنسان في الفعل العمومي بالشكل الذي يجعلها مدخلا حاسما في تحصين مكاسب الانفراج الحقوقي الذي تأسس عليه مفهوم العهد الجديد والذي جعل من الحريات وحقوق المواطنة أولوية في إصلاح بنيات الدولة.
وفي هذا السياق أدعو إلى تبني رؤية واضحة في الانتقال الديموقراطي المغربي وذلك في إطار مقاربة تفاهمية مع جميع الفاعلين تنتهي لبناء ديموقراطية توافقية وحدها تبدو قادرة على تجسير العلاقات بين القوى السياسية المختلفة وتحقيق الاعتراف المتبادل بين الجميع والخروج من لحظة الانتخابات باعتبارها لحظة لإعادة توزيع الاعتراف ونزعه حسب ما تسمح به الظروف المحلية والدولية.لم يكرس تيمة حقوق الإنسان في الفعل العمومي بالشكل الذي يجعلها مدخلا حاسما في تحصين مكاسب الانفراج الحقوقي الذي تأسس عليه مفهوم العهد الجديد والذي جعل من الحريات وحقوق المواطنة أولوية في إصلاح بنيات الدولة.
وفي هذا السياق أدعو إلى تبني رؤية واضحة في الانتقال الديموقراطي المغربي وذلك في إطار مقاربة تفاهمية مع جميع الفاعلين تنتهي لبناء ديموقراطية توافقية وحدها تبدو قادرة على تجسير العلاقات بين القوى السياسية المختلفة وتحقيق الاعتراف المتبادل بين الجميع والخروج من لحظة الانتخابات باعتبارها لحظة لإعادة توزيع الاعتراف ونزعه حسب ما تسمح به الظروف المحلية والدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.