عزيزي الطالب الجديد.. ها أنت على وشك دخول مرحلة جديدة من حياتك، وها أنت تستعد لدخول عالم جديد مختلف تماما عن عالمك الذي كنت فيه: عالم الدراسة الجامعية.. ها أنت تستعد لكي تفارق ذلك التلميذ الذي كُنْتَه، محاطا بعناية أسرتك وأساتذتك وأصدقائك، لتدخل عالما جديدا تتحمل فيه مسؤولية قراراتك وتصبح فيه الناطق الرسمي الوحيد باسمك! لن تحتاج بعد الآن إلى أن تسمع جملة "أحضر ولي أمرك"، وسيتراجع الخوف من لائحة الغياب المشؤومة في سلم مخاوفك أمام مخاوف أخرى لا تقل أهمية لدى الطالب الجامعي كتفويت وجبة إفطار قبل دخول حصة الثامنة صباحا أو خوف أن لا تجد الماء الساخن للاستحمام بحمامات الحي الجامعي التي تصبح في ظل كثرة الطلب عليها أعز المطالب.. ستسمع كلمات غريبة لم تعتد عليها، من قبيل "العميد" و"الأسدس" و"الوحدات" و"الفصائل الطلابية" و"المعارك النضالية" و"المقصف" و"الحرم الجامعي" و"الباكالوريوس" (هذه الكلمة الأخيرة غريبة حتى على الطلبة القدامى فلا تقلق). ستجد نظام تنقيط عجيبا غريبا لم تعتد عليه، وستغرق كما أقرانك في معادلات تمثل فيها المجاهيل نقط المواد الدراسية، لتحاول بعبقريتك الرياضياتية -التي ستكتشفها فجأة- أن تخرج من خلال حل هذه المعادلات بأفضل النتائج أو بأقل الخسائر. وبعد أن كنت تعتمد على أستاذك في الثانوية الذي كان يعطيك كل المعرفة التي تحتاجها بل ويتدخل –غالبا بطلب منك- ليزيل منها ما لن تضطر إلى الامتحان فيه، ستجد نفسك في نظام لا يشكل فيه الأستاذ المصدر الوحيد والأوحد المعرفة، ولا توجد فيه كتب دراسية سحرية تختصر عليك مسافات البحث والتنقيب وتقدم لك المعرفة على طبق من ذهب مع بعض البهارات التي تجعلها خفيفة على الأذهان ثقيلة في ميزان الامتحان، بل ستجد نفسك مضطرا إلى العودة إلى المراجع ذات الصفحات الكثيرة تنقب عن المعارف كمن ينقب عن الذهب في صخور طبقات الأرض العميقة، ويا لها من مهمة.. هل أخافك بعض ما ذكرته لك من معالم المرحلة الجامعية الجديدة؟ لا بأس، فالخوف شعور طبيعي لا بد أن ينتاب الإنسان وهو ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ويخرج من عالم كان عارفا بتفاصيله مدركا لما ينبغي عليه العمل فيه إلى عالم جديد لا يعلم عنه شيئا ويحتاج أن يكتشف فيه طريقه بوسائله الخاصة. قد تلاقي كل ما ذكرته وأنت تدخل جامعتك التي اخترتها وقد لا تلاقيه -لأن الظروف تختلف حسب الجامعات والمعاهد-، ولو أنه يشكل أهم معالم الحياة الجامعية التي عشناها وعاشتها أجيال قبلنا، بل دعني أقول لك: إن ما ذكرته هو جزء من متعة الحياة الجامعية التي لا يمكن أن تمحى ذكرياتها من ذاكرة كل من مرة بهذه التجربة المثيرة والغنية.. دخول الجامعة أول إعلان لاستقلاليتك، لا أقصد هنا طبعا تفلتك من كل رقابة أسرية أو أخلاقية أو سلوكية، وإنما أقصد أنك ستصبح سيد قراراتك وصاحب الشأن في مصيرك ومسارك، وهو انتقال جذري لا بد أن تعي معانيه وتفهم أبعاده.. دخول الجامعة إيذان بأنك الآن جزء من نخبة كَتَبَ لها القَدَرُ أن تستمر في انتهال المعرفة والترقي في مدارج العلم، في وقت حُرِمَ فيه مئات الآلاف من هذه الفرصة لأسباب اجتماعية أو دراسية أو غيرها.. دخول الجامعة فرصة لتوسيع الاختيارات التي ستتاح لك فيما بعد لتعيش حياتك بالطريقة التي تريدها، في وقت تتقلص فيه خيارات من لم تتح لهم هذه الفرصة و تضيق أمامهم دروب السير في الحياة.. الجامعة ليست مدرسة ثانوية من مستوى أعلى، بل هي مشتل لبناء الذات وصقل الشخصية واكتشاف كَوْنِكَ الكامن فيك، هي أكبر مدرسة لتأهيل الإنسان لكي يعيش كامل إنسانيته ويكون إنسانا بحق.. لا أقصد من كل هذا أن أهول من دور الجامعة ومركزية الحياة الجامعية في مسار كل شخص، فالحياة –بحمد الله- مسارات متعددة لا تختزل في اتباع نظام تعليمي رسمي ينتهي بك إلى الجامعة، ولكن المقام هو مقام حديث إليك أنت أيها الطالب الجامعي الجديد.. ستكون هذه المرحلة الجامعية أفضل وأمتع مرحلة تمر بها في حياتك إن أحسنت استثمارها، إن حاولت أن تعيشها بطولها وعرضها تنهل من معارفها التي تقوي خبراتك العلمية، وتخوض تجاربها التي تقوي خبراتك الحياتية، ليفاجأ الجميع بعد أن تنهي مرحلتك الجامعية بأن ذلك التلميذ الذي عرفوه قبل دخول الجامعة قد أصبح إنسانا آخر بعد خروجها .. هنيئا لك –عزيزي الطالب الجديد- دخول الجامعة، ولتكن هذه التجربة التي تستعد لخوض غمارها تجربة تستحق أن تسجلها بمداد من فخر واعتزاز في مسيرة حياتك الطويلة والمثمرة بإذن الله.. دعواتي الصادقة لك بالتوفيق والسداد.. …………………………………… * رئيس منظمة التجديد الطلابي.