هوية بريس – الأربعاء 02 نونبر 2015 قد ننطلق من تساؤل وهو: لماذا تتهجم العلمانية العربية والمغربية بالخصوص على الفقه والفقهاء؟ مع العلم أن الإثنين معا (الفقه والفقهاء) في غياب شبه تام عن الساحة التشريعية بالنسبة للفقه، والفكرية والسياسية بالنسبة للفقهاء، فالسؤال المطروح أي فقه وأي فقهاء هؤلاء الذين تتهجم عليهم العلمانية بكل ما توفر لديها من إعلام (مقروء ومسموع ومكتوب والكتروني) أضف إليه تهجمٌ غير مسبوق في عدد من الندوات والمؤتمرات والملتقيات، والأبحاث والأطروحات…؟ فما مفهوم الفقه عند الزمرة العلمانية اليوم؟ وهل هو -فعلا- فقه الفروع الذي يتبادر إلى أذهاننا ؟ وما قصدهم بالفقهاء الذين يوجهون سهامهم المسمومة تجاههم؟ إن ما نسمعه اليوم من اتهام للفقه بأنه فقه متخلف، وتهجم -متعاقب ومتتالي- على صنف الفقهاء مع عدم تواجدهم سواء على الساحة الفكرية أو التشريعية… ليس في الحقيقة القصد منه لا الفقه ولا الفقهاء، وإنما القصد الأكبر هو الوصول للنص الشرعي المتمثل في القرآن والسنة، فلما كان ذلك مستحيلا عليهم -أيما استحالة- في ما مضى من تاريخنا الحديث بالمغرب وكان من الصعب التهجم على مصدر التشريع الأصلي (قرآن سنة) تهجما مباشرا ومفضوحا، توجهت أصابع الهدم نحو الفقه باعتباره من الأحكام الاجتهادية، والمبني على الاجتهاد -يقول العلماني- يؤخذ منه ويرد، فتناول العلمانيون فقهنا الإسلامي من هذا الجانب، (أي جانب خلو الفقه من القطعيات وبنائه على الظنيات) ومن بوابة (الفقهُ ليس وحيا) فتم فتح باب الانطلاق إلى النص الشرعي (قرآن سنة) عن طريق الطعن في الفقهيات الظنية، ولم يكن هدف منظري العلمانية بهذه المحاولة الطعن في الفقه ذاته، وإنما لما ضاقت عليهم السبل في الوصول إلى النص، فقد وجدوا طريقا آخر يمكن من خلاله الطعن في القرآن الكريم والسنة النبوية ليس مباشرة، وإنما بواسطة، هذه الواسطة هي الضرب في الفقه الإسلامي (المستمد من القرآن والسنة) والضرب في الفقهاء (الجهة المحتكة بجانب الفقهيات) ومن خلال الطعن في الاثنين يتسرب الطعن إلى النص بطريقة تلقائية. إذن جوابا على ذلك السؤال المحير وهو لماذا يصر العلمانيون على التهجم على الفقه مع أنه لا تواجد فعلي له بالتشريع المغربي، والتهجم على الفقهاء مع أنهم لا وجود لهم على الحقيقة -ما داموا غائبين في مجال التشريع- يكون الجواب قد اتضح قليلا؛ فالعلماني إذا سمِعْتَه اليوم يقول الفقه فإنه لا يقصد إلا النص الشرعي (القرآن والسنة) وإذا سمعته يطعن في الفقهاء، فلا قصد له إلا الطعن في علماء الأمة، والنيل منهم، وهو نيل غير مباشر من المجال الذي يشتغلون به وهو مجال النص الشرعي (القرآن والسنة). و كدليل على ذلك؛ فقد انتقلت "العلمانية التابعة" أو "العلمانية المقلِّدة" أو "علمانية الذَّنَب" أو "العلمانية البائسة" (أو سمها ما شئت) انتقلت من الطعن في الفقهيات باعتبارها ظنية -وبالتالي فهي في مجال الاجتهاد بزعمها- إلى الطعن مباشرة في النصوص القطعية مثل (توصيات مجلسهم الوطني لحقوق الإنسان نموذجا) والطعن في السنة وصاحبها (عليه أفضل الصلاة والسلام) وكنموذج لذلك (جريدة الأحداث المغربية، وتهجم بعض المعروفين المحسوبين على التيار العلماني). إن المفارقة الفارقة أن بؤساء العلمانية يدعون -بزعمهم- أن بعض القضايا (المطروحة الآن مثل الإرث) بها مجال للاجتهاد، ويتهجمون في نفس الوقت على الفقهاء (الذين لا وجود لهم) وتهجمهم في الحقيقة على علماء الأمة، (أو بعض علماء الأمة على الصحيح ممن فيهم غيرة على الدين) يتهجمون عليهم بكونهم متشددون في تنزيل النصوص الشرعية ويدْعون -بصفاقة ووقاحة- إلى إعادة قراءة النص الشرعي قراءة بعيدة عن تشدد الفقهاء (أي العلماء)، قراءةٌ على هواهم، وتفسير النصوص الشرعية كما يشتهون. هكذا تتبع العلمانية بالمغرب سياسة التدرج في تناول قضاياها وتنفيذ أجندتها وأهدافها، في غياب شبه تام للمدافعة العلمية، مستغلة هذا الفراغ الخطير للعلماء على الساحة الفكرية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تغتنم العلمانية بمكر شديد توجه الدولة نحو تقييد المجال الديني والفكري تقييدا خطيرا، فتسعى لاستغلال هذه النقطة لصالحها بطرق شتى. إذا كان بؤس العلمانية قد تطاول اليوم ليمس النصوص الشرعية القطعية بدعوى قابلية ذلك للاجتهاد، والعبور إليه من بوابة الفقه (نفاقا، ومكرا)، ولم يجابه بتلك الصورة المطلوبة لا من طرف مؤسسات الدولة الدينية باعتبارها راعية (كما تصنف نفسها)، ولا من علماء الأمة الغيورين على الدين، (إلا باحتشام)، فلا يستبعد أن تخرج علينا غدا العلمانية البائسة، بما هو أكبر من ذلك وأشد، وكل درجة تصل إليها العلمانية المغربية تحسبه مكتسبا، ومن قواعدها، لا رجوع عن المكتسبات، فالتطاول على الدين وعلى الإسلام مكتسب لها، ولا رجوع -بنظرها- عن ذلك، ولا سبيل إلى دحر هذا الفكر الدخيل والبئيس، إلا عبر بوابة العلم والعلماء.