" ارحمني بحبي إياك فليس شيء أحب الي منك" هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التميمي اليربوعي الخرساني ، ولد في سمرقند سنة 170ه ونشأ بأبيورد، أحد أعلام أهل السنة في القرن الثاني للهجرة ، اشتهر بلقب "عابد الحرمين" .كانت توبة الفضيل بن عياض أول خطوة له في درب التصوف والانقطاع عن الدنيا ، إذ روى ابن عساكر بسنده عن الفضل بن موسى: قال: «كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية ، فينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليا يتلو " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ …" ( سورة الحديد : آية 16) قال: يا رب قد آن ، فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة فقال بعضهم: نرتحل وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا ، قال: ففكرت وقلت: أنا أمسي بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين هاهنا يخافونني وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع ، اللهم إنّي قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام ».( الرسالة القشيرية). علم الفضيل أن الله لا يعبد بالجهل وأن التوبة وحدها لا تكفي ، لذلك عكف على النهل من حياض العلوم الشرعية فروى عن كبار الشيوخ كالأعمش والثوري ومنصور بن المعتمر وهشام بن حسان وسليمان التميمي وعوف الأعرابي وغيرهم. أما أبرز من روى عنه وتتلمذ على يديه من العلماء ، فنذكر على سبيل المثال : ابن عيينة والشافعي وابن المبارك والحميدي وبشر الحافي ويحيى القطان وقتيبة بن سعيد… وغيرهم. كدأب جميع المتصوفين اعتمد الفضيل بن عياض الزهد منهجا في السلوك والحياة. قيل له: "ما الزهد؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع؟ قال: اجتناب المحارم، قيل: ما العبادة ؟ قال: أداء الفرائض، قيل ما التواضع ؟ قال: أن تخضع للحق. وننتخب لكم جملة من أشهر أقواله الدالة على رؤيته الصوفية: -" لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي ولا أحاسب بها لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مرّ بها أن تصيب ثوبه ". -" عليك بطريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. -" بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله". -"عاملوا الله- عز وجل- بالصدق في السر، فان الرفيع من رفعه الله،وإذا أحب الله عبدا أسكن محبته في قلوب العباد". – كفى بالله محبا ، وبالقرآن مؤنسا ، وبالموت واعظا ". فضلا عن الزهد في الدنيا والناي بنفسه عن أصحاب السلطة ، انماز الفضيل بصفة الحزن، والحزن عند أهل الله (الصوفية) هو حال يقبض القلب عن التفرق في أودية الغفلة ، ولذلك قيل: " القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن الدار إذا لم يكن فيها ساكن تخرب "، ومما يروى عن إبراهيم بن الأشعث قوله: "ما رأيت أحدًا كان الله في صدره أعظم من الفضيل بن عياض، كان إذا ذُكر الله عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه فبكى حتى يرحمه من بحضرته ، وكان دائم الحزن شديد الفكرة». لما أسلم الفضيل الروح لبارئها بمكة في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة، قال وكيع: « ذهب الحزن اليوم من الأرض » .وتكفي شهادة شريك فيه إذ يقول: « لم يزل لكل قوم حجة في أهل زمانه وإن الفضيل بن عياض حجة لأهل زمانه ».رحم الله شيخ الإسلام الفضيل بن عياض وجازاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.