يقول الباري تعالى في محكم تنزيله: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا". في يوم أظلم نهاره، من يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الآخرة لعام 1441ه الموافق ل30 يناير 2020م، بعد عمر ناهز التسعين عاماً قضاها في العلم والتعليم، والتأليف والتحقيق، والدعوة إلى الله تعالى.، فقد العالم الإسلامي عالما جليلا، وعلما من أعلامه، فضيلة شيخنا محمد بن الأمين بوخبزة رحمه الله تعالى وأكرم نزله ورفع قدره ومنزلته، هذا الرجل الصالح الصابر الذي حزن العالم الإسلامي عليه وقت سماع خبر وفاته، شيعت جنازته في موكب مهيب لم يعرف له مثيل، خرجت تطوان عن بكرة أبيها تشيعه وتودعه فضلا عما جاؤوا من مدن المملكة وخارجها، فكنت ترى الناس كالسيل الجارف وكأنه مابقي أحد بالبلد إلا وانثنى لها، ولا شك أن كبار العلماء يعرفون بجنائزهم تحل هذه الذكرى في أجواء عصيبة واستثنائية يسيطر عليها الوباء والجائحة، حيث تُوفى بسبب كورونا العديد من الأعلام نسأل الله تعالى أن يتقبلهم في الشهداء، ونسأله سبحانه وتعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وفقد العلماء يعتبر مصيبة بالنسبة للأمة، خصوصًا إذا كان هؤلاء العلماء ممن آتاهم الله حظًا وافرًا في العلم والعمل، والدعوة والتعليم، وقد جاء عن الإمام علي رضي الله عنه: إذا مات العالم ثُلمت في الإسلام ثُلمة لا يسدها إلا خلف منه. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما قبض الله عالمًا إلا ترك وراءه ثغرة لا تُسد. وكثرة ذهاب العلماء يؤذن بخراب الدنيا، ولهذا جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فُسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". والحقيقة أن الأمة الإسلامية فقدت أحد الرموز، وأحد الرجالات الذين نذروا حياتهم لله وللإسلام، وللعلم وللدعوة إلى الله،كان فضيلته رحمه الله تعالى لا يدع أي فرصة إلا وينصح فيها، إما بالمشافهة، وإما بالكتابة مع تميزه بسعة العلم، وغزارة المادة، فقد كان رحمه الله تعالى مكتبة متنقلة متبحرا في علوم الشريعة، في علم الفقه، والتوحيد، والحديث، والتفسير، وعلوم العربية، ولم يكن للعلم وحده، بل كان رجلًا ربانيًا،رحل رحمه الله تعالى مخلفاً كثيراً من الحزن لدى رفاقه وأحبائه في كل مكان، وشعرنا أننا فقدنا كنزاً من العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة، ونحن أحوج ما نكون إليه، كحاجة النبات في الأرض المقفرة لحبّات المطر، وقد رثاه الكثير من السادة العلماء والأساتذة والخطباء في خطبهم، والأدباء والشعراء في قصائدهم. وبوفاته خسرت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها واحدًا من أبرز الرجال الذين عاشوا دعاة لله تعالى، لسانًا من ألسنة التوحيد، وبحرًا من بحور الفقه، وجبلًا من جبال العلم، ريحانة تطوان شيخنا محمد بن الأمين بوخبزة الحسني، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغشاه بالمغفرة والرضوان، ويجمعنا به ووالدينا في أعلى الفراديس الجنان من غير سابقة عذاب ولا امتحان، بل بمحض الفضل والكرم والامتنان، ويتقبله في الصالحين، ويجزيه عما قدم لدينه ولأمته خير ما يجزي العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، والأئمة المجتهدين،ويرحم جميع العلماء والمشايخ والأساتذة، وألحقنا بهم هداة مهتدين اللهم آمين، اللهم عوضنا فيهم خيرًا. آمين.