بوريطة يتباحث بالرباط مع ستافان دي ميستورا المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء المغربية    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات (المغرب 2025) : إجراء المنافسات خلال الفترة من 22 إلى 30 أبريل بمجمع الأمير مولاي عبد الله بالرباط    محاميد الغزلان تحتضن المهرجان الدولي للرحل    الوزارة تؤكد التزاما بالقضاء على داء السل    الإعلان عن تسجيل 4 سدود بجهة الشمال معدل ملء يصل إلى 100 في المائة    طنجة تحتضن لقاءً حول "تدبير الموارد البشرية وتحديات المقاولة الصغرى" ضمن دائرة نقاش رمضانية    السعودية تُحدّث الاشتراطات الصحية لموسم حج 2025 لضمان سلامة الحجاج    الملك يعين مسؤولين على رأس ثلاث مؤسسات دستورية هامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    سيدة تصفع قائد.. والنيابة العامة تتحرك وتحدد موعد المحاكمة    وزارة الأوقاف تستفسر إماما ظهر في فيديو "يمنع" النساء من أداء صلاة التراويح بمسجده    تعيين ملكي يضع قياديا سابقا في حزب العدالة والتنمية رئيسا للمجلس الاقتصادي    جلالة الملك يعيِّن محمد بنعليلو رئيسا للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    منظمة الصحة العالمية تحذر من تنامي معدلات السل لدى الأطفال في أوروبا    رونالدو وتحطيم الأرقام.. هل يحقق الألفية التهديفية؟    لاعبون مرموقون ينتمون لأزيد من 25 بلدا يتنافسون على جائزة الحسن الثاني للتنس    بدر سلطان يلتقي جمهوره في بروكسيل    المغاربة يتضامنون مع غزة، وحصيلة ضحايا العدوان الجديد تصل إلى 730 فلسطينيا    انعقاد مجلس الحكومة يوم الجمعة المقبل    بورصة البيضاء تغلق بتعزيز الأرباح    مقتل مراسل "الجزيرة مباشر" حسام شبات في قصف إسرائيلي على غزة    عمارة الوزير الإسلامي "صديق أخنوش" يخلف الشامي "المزعج" في المجلس الاقتصادي والاجتماعي    الحسيمة: مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين تشرف على توزيع "قفة رمضان"    العثور على جثة ستيني يستنفر شرطة شفشاون    اليوم الدولي للحقيقة يسلط الضوء على انتهاكات البوليساريو والدسائس الجزائرية    ذعر في بريطانيا بعد تعرض المارة للطعن    جدل "إهانة طبال" .. هذه كواليس حفل سلمى الشنواني في فاس    لاعب التنس كريم بناني يظفر بتتويج    المعارضة تشكو الحكومة ل "الهاكا" وتتهمها بخرق قواعد الاتصال السمعي البصري    "أكديطال" تفتتح منشأتها الصحية الرابعة والثلاثين في مدينة كلميم    سعد موفق ل" رسالة 24 ": على الممثل أن يختار أدواره بعناية لتجنب النمطية    المنتخب الوطني لمواليد سنة 2000 فما فوق يفوز على غينيا    تفاصيل صفع سيدة ل"قائد" بمدينة تمارة    مسلسل "الدم المشروك"… يثير الجدل بسبب بطء أحداثه    محادثات أمريكية روسية في الرياض اليوم لبحث هدنة بحرية    موقف ثابت من العدوان على غزة    أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة اليوم الإثنين بعدد من مناطق المملكة    مهرجان باريس للكتاب.. تفاصيل البرنامج الخاص بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعزز التحول الرقمي لتسهيل خدمات المؤمن لهم    مهنيون يعددون أسباب ارتفاع سعر البصل في أسواق الجملة بالمغرب    3 نقاط لا تكفي.. كم يحتاج المغرب للتأهل المباشر إلى مونديال 2026؟    لاعب الغولف تايغر وودز يكشف عن علاقته العاطفية مع طليقة دونالد ترامب الابن    دوري الأمم الأوروبية: المنتخب الفرنسي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره الكرواتي (ض.ت 5-4)    الرئيس ترامب يعلن تأييده للمرشح الجمهوري لمنصب شاغر في المحكمة العليا لولاية ويسكونسن    إتلاف أكثر من 500 كيلوغرام في تطوان من المواد غير الصالحة للاستهلاك منذ بداية رمضان    المغرب يخطط لبناء مطار في جنوب الصحراء لمكافحة الإرهاب في الساحل    دوري الأمم الأوروبية .. إسبانيا والبرتغال يعبران لنصف النهائي    بودشيش يدعو إلى تأطير المحتوى الرقمي    قصر الفنون يصدح بالمديح والعرفان في ختام رمضانيات طنجة الكبرى    السل في المغرب.. 50% من الحالات رئوية و85% نسبة الكشف المبكر    حامي الدين: "الإبراهيمية" محاولة لاختلاق دين جديد لأغراض سياسية    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    شراكة تعزّز الوعي بصحة الفم بالمغرب    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكنبوري يكتب عن "صراع الرموز" بين الملك واليهود
نشر في هوية بريس يوم 23 - 12 - 2020

للمغرب علاقات بعيدة مع اليهود، فهم أكثر تجذرا في أرضه بحيث يعود وجودهم إلى قرون طويلة قبل الإسلام، ولكنهم لم يستريحوا من الإبادة والاضطهاد إلا مع دخول الإسلام إلى المغرب في المائة الأولى للهجرة.
ولهذا فإنهم مدينون للمغرب مرتين، هذه المرة الأولى، والمرة الثانية بعد طردهم من إسبانيا على يد الكاثوليك، بعد أن عاشوا إبادة واضطهادا لا يقلان بشاعة عما عاشوه على يد الرومان والمسيحيين قديما، والنازيين في العصر الحديث.
لهذه الأسباب فإن الخبرة المغربية مع الوجود اليهودي ضاربة في جذور التاريخ، وقد ظل السلاطين المغاربة على مدى القرون الماضية يتعاملون معهم بما لا يخرج عن نطاق الشريعة والإحسان إلى أهل الذمة، مع الحيطة والحذر، بالنظر إلى ما عرف به اليهود من مكر وإشعال للفتنة وغدر بالمسلمين، كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا. ومن يعد إلى الوثائق والمراسلات السلطانية سوف يقف على الشيء الكثير من هذا.
تأسيسا على ما سبق نعتقد بأن الاستقبال الذي خصصه الملك محمد السادس للوفد اليهودي الذي قاده جاريد كوشنر، المستشار الرئيسي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وضم مئير بن شبات، مستشار الأمن القومي لدولة إسرائيل، لم يخرج عن هذا التاريخ الطويل للعلاقات الثقافية والاجتماعية بين السلاطين والملوك العلويين واليهود المغاربة.
الفارق الوحيد، والكبير أيضا، هو أن الملك محمد السادس يعايش حقبة من التاريخ غير مسبوقة، حقبة تتصف بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والقدس، والنفوذ العالمي لليهود، وإنشاء دولة لليهود بعد قرون طويلة من الشتات والسبي. هذا الفارق الكبير في اعتقادنا يساهم في فهم شخصية الملك محمد السادس كملك محنك، يساير التحولات السياسية، لكن دون التفريط في الثوابت التاريخية والدينية.
إن أول ملاحظة استرعت انتباهنا، في ذلك الاستقبال الذي وصف ب"التاريخي"، هو أن الملك محمد السادس استقبل الوفد المذكور باللباس الحديث لا التقليدي، وهذا معناه أن شخصية الملك المدنية كانت غالبة على شخصية أمير المؤمنين في الاستقبال. هذه النقطة تفسر لنا حدود العلاقات التي تربط المغرب بإسرائيل، وسقف "التطبيع" بين الطرفين، إذ هي تدل على أن تلك العلاقات هي علاقات ذات طابع سياسي لا ديني، وعلى أن الأمر يتعلق بمرونة الملكية السياسية لكن مع ثبات إمارة المؤمنين الدينية.
يتبين لنا هذا أكثر من خلال عدم إصدار المجلس العلمي الأعلى لأي فتوى حول "التطبيع" أو العلاقة مع إسرائيل، وهو مجلس يرأسه أمير المؤمنين كما هو معروف، وذلك خلافا للبلدان العربية الأخرى التي طبعت العلاقات مع إسرائيل، وحرصت على إشراك الفقهاء والعلماء والمؤسسات الدينية في الأمر، لتسويغ التطبيع من الناحية الدينية.
إن مسألة النأي بالمجلس عن التورط في الموضوع، دليل صريح بالنسبة لنا على أن الدولة المغربية تفهم حدود الصراع مع إسرائيل كدولة، ومع اليهود كمشروع.
نأتي الآن إلى اللوحة الخلفية في الاستقبال الملكي.
في حقيقة الأمر فإن المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي حرص على استحضار التاريخ والبعد الديني في استقبال وفد يهودي، عشية الإعلان عن "تطبيع"، أو بمناسبة توقيع اتفاقيات مع دولة إسرائيل. جميع الدول العربية الأخرى كان موقفها مهزوزا تجاه الدولة الإسرائيلية، وتعاملت مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل انطلاقا من موقف يعكس حالة الارتهان والاقتلاع.
وإذا كان هذا يدل على شيء، فهو من ناحية يدل على الاعتزاز بالماضي الإسلامي للمغرب، والعمق الديني للدولة المغربية، والوعي بأهمية الصراع الحضاري بين المسلمين واليهود، ويدل من ناحية ثانية على أن المغرب يمكن أن ينسج علاقات مع إسرائيل، كدولة قائمة أو واقع دولي موجود في الوقت الراهن، لكنه لا يتنازل عن خياراته الكبرى، التي هي خيارات الأمة بوجه عام.
إن الرسالة الأساسية التي حملتها خلفية الاستقبال، وهي صورة شجرة النسب العائلي للملك محمد السادس، هي أن الدولة المغربية لها امتداد تاريخي يضرب جذوره في الدعوة الإسلامية في الحجاز، وأن جميع السلاطين المغاربة هم سلسلة واحدة من الطموح والكبرياء رأسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي حمل الدعوة العالمية إلى الأخوة والتسامح، وفي الوقت نفسه الدعوة العالمية إلى رفض الظلم وسفك الدماء وإخراج الناس من أرضهم بغير حق.
صورة الشجرة كانت موجهة إلى اليهود بالأساس، ليشاهدها جميع اليهود في إسرائيل والعالم ويفهموا الرسالة الملكية، التي تدعو إلى الشعور بالفخر حقا، ذلك أن تلك الصورة تُظهر بأن الدولة المغربية واعية بحرب الرموز الأثيرة عند اليهود عبر التاريخ، ولذلك تمت مواجهة الحدث بنفس السلاح، أي إشهار الرموز الإسلامية وتعليق لوحة لها عمق تاريخي كبير.
يدرك اليهود جيدا أهمية صراع الرموز، وهم أكثر الشعوب حرصا على توظيف رموزهم الدينية والتاريخية والقومية في جميع خطواتهم. لنأخذ مثالين اثنين فقط.
المثال الأول هو توقيع اتفاقية غزة أريحا في أعقاب مؤتمر مدريد في بداية التسعينات، لقد كانت الطاولة التي وقعت عليها اتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات وميناحيم بيغن هي نفسها التي تم إحضارها ليوقع عليها ياسر عرفات وإسحاق رابين.
المثال الثاني، الأكثر أهمية، يتعلق بأسماء العمليات والمجازر العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين. في الخمسينات من القرن الماضي قامت إسرائيل بترحيل آلاف اليهود العراقيين إلى فلسطين، وأطلقت على تلك العملية اسم "عملية عزرا ونحميا"، وهما نبيان إسرائيليان، وفي التوراة سفران يحملان اسميهما، سفر نحميا وسفر عزرا.
وفي عام 1984 عندما أرادت إسرائيل نقل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل، بتعاون مع المخابرات الأمريكية والسفارة الأمريكية في الخرطوم، أطلقت على تلك العملية اسم "عملية موسى"، في إشارة إلى النبي موسى في التوراة الذي أخرج اليهود من مصر.
وأعادت إسرائيل الكرة في العام التالي وقامت بترحيل عدد آخر من اليهود السود، فأطلقت على العملية تسمية "عملية يوشع بن نون"، وهو من أنبياء بني إسرائيل أيضا وله سفر يحمل اسمه في التوراة، وغير ذلك كثير من العمليات والمبادرات السياسية وعمليات الاغتيال.
أما إطلاق أسماء من التوراة والتلمود على المجازر ضد الفلسطينيين فهو كثير، وهذا أمر طبيعي لأن حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين هي حرب دينية تجري وقائعها على أرض الميعاد، كما هي مذكورة في التوراة، ويمكن أن نعد من تلك الأسماء: السور الواقي عام 2002، أمطار الصيف عام 2005، خارج الصندوق عام 2007، الرصاص المصبوب عام 2008، عملية الشتاء الساخن عام 2008 أيضا، عامود السحاب عام 2012، إلى غيرها من المجازر.
وقد رأينا في أعلى اللوحة الاسم محمد الذي يرمز إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبا بالخط العريض، بحيث لا يمكن للعين أن تخطئه. وفي نظرنا يمثل ذلك نوعا من التحدي والتذكير في الوقت ذاته. فنحن نعرف حجم العداء الذي يكنه اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن منهم أولا، ولأنهم يكرهون جميع الأنبياء مهما كان جنسهم ثانيا، كما هو معروف لجميع الدارسين، ولليهود أنفسهم.
والحق أن تلك الخلفية في الاستقبال الملكي، هي عندي عربون على ثبات الدولة المغربية في شخص الملك على مواقفها التقليدية والتاريخية المعروفة من القضية الفلسطينية بوجه خاص، ومن قضايا الأمة بوجه عام، ولكن الواقع الذي لا يرتفع يقول بأن يدا واحدة لا يمكنها أن تصفق، وعازفا واحدا لا يصنع عرسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.