هوية بريس – الخميس 23 شتنبر 2015 عندما حملتني أمي بين ذراعيها لنعبر البحير سويا، عفوا لم يكن عبورا عاديا، كأي أسرة تغادر الميناء محملة بحقائب السفر، تمني النفس بنزهة بحرية، كلا كان سفرنا مختلفا تماما، كنا نفر كالفئران الخائفة من مكان لآخر، لم أكن أملك سريرا تهدهده أمي لأنام، ولا أحمل لعبا كغيري من الأطفال. كنت متشبتا بصدر أمي ولا أعلم ما يدور حولي، سوى أفواج من الناس تركب قوارب صغيرة، لننتقل إلى الشط الآخر، بحثا عن مأوى يضمنا بعد أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت. لم نكن نظن أن تذكرة العبور باهظة الثمن وأن الوجهة مختلفة تماما،و أثناء تكدسنا وسط القارب، هاجمتنا الأمواج لتبعثرنا كوريقات خريف، لا وزن لها ولا قيمة، فانتشرنا على صفحة الماء، كطحالب لفظها البحر بعد موتها. أنا لا أذكر شيئا فقد كنت نائما بين يدي أمي، إلى أن لامس الماء البارد وجهي، استيقظت فزعا لأجد نفسي أهيم على وجهي في بحر لا قاع له. لم أرفع صوتي بالصراخ كالبقية، فأنا كما ترون لا أتحدث بعد، بل لذت بالصمت حتى فاضت روحي إلى السماء، ولفظتني أمواج البحر إلى الشاطئ كما اعتادت لفظ الأسماك الميتة. مذ وعيت على الدنيا وهي قاسية، لذلك لم يكن طعم الموت بالنسبة لي مرا، فقد استسغته سريعا، وأغمضت عيني على عجل، عل العالم الآخر يكون أكثر راحة وأمنا!